كان الجميع حولها، ويتهافتون للجلوس معها، ليس لشيء لكن لأنها حتماً ستخبرهم عن الفستان القبيح الذي ارتدته إحدى زميلاتها في مناسبة ما، وقد تخبرهم أيضاً عن سر انفصال إحدى قريباتها عن زوجها الذي كانت تحبه كثيراً، كانت هي فاكهة المجلس، ويحب الجميع إن يُجلسها في صدر المكان، فهي بالطبع تحمل الكثير من القيل والقال والأسرار والخصوصيات.
توفيت ودفنت وذهب كل شيء، وبقيت سمعتها السيئة؛ لأنها كانت تمشي لتغتاب، وتجلس لتَنُمّ، أما صديقاتها اللاتي أحببن مجالستها فمضين يبحثن عن فتاة أخرى تحل محلها، لتنقل لهم ما يتشوقن لسماعه.
وذاك المراهق الذي التف حوله بعض أصدقائه الضعفاء، فهو القوي الذي لا يهزم بين أقرانه، يضرب هذا ويشتم هذا، ويسخر من ذا وذاك، لماذا؟ لأنه قوي كما يعتقد، عبوس طوال الوقت؛ ليتصنع رجولة يُرضي بها نفسه، يستيقظ يومياً ليبحث عن شخص ليصب عليه جام غضبه، ستراه يخرّب ملكاً عاماً أو يضرب حيواناً أو يسرق، وقد يفعل الكثير من الأشياء السيئة التي اعتاد على فعلها، يحبه أصدقاؤه لأنه البطل المغوار كما يظنون.
توفي هو الآخر وذهب كل شيء إلا سمعته، ارتاح منه عامل النظافة الذي كان يعمل قريباً من منزله، واطمأن زميله في الفصل؛ لأنه لن يتلقى سيلاً من الشتائم كما جرت العادة! هو الآخر رحل الجميع عنه وتركوه وحيداً ليواجه مصيره.
بينما هناك تمكثُ أرواحٌ نقية، بعيدة عنا، ترقد بسلام وتنعم بطيب ذكر واشتياق.. في مكان آخر فتاةٌ تستحق الثناء، رحلت تاركةً وراءها الكثير من الذكرياتِ الجميلة، تحدث الجميع عن ابتسامتها التي كانت لا تفارقها، وعن طيب الأثر الذي تتركه أينما ترتحل، ضج عزاؤها بالحديث عن أخلاقها الحسنة، كانت خير الفتيات، فأينما يُذكر اسمها سترى الجميع يبتسم! رحلت هي الأخرى، وذهب كل شيء إلا سمعة يتمناها الجميع.
وتوفي شاب آخر، تاركاً وراءهُ جاراً مسناً سيفتقده، وأصحاباً لا يطيقون فراقه، ابتسامته، مساعدته، سيغيب عنهم كل جميلٍ اعتادوا أن يروه منه إلا سمعةً طيبة ستجالسهم بدلاً عنه، وهنا وهناك رحل الكثير من الناس ولم يتركوا إلا صيتاً حسناً وذكريات عبقة.
وفي هؤلاءِ يُقال:
والمرءُ بالأخلاق يسمو ذكرهُ ** وبها يُفضلُ في الورى ويوقرُ
ستمكث أنت أيها الإنسان مدة لا يعلمها إلا الله، ستقابل الكثير من الناس، ثم يوماً ما سيختفي كل شيء وتغادر! وبكل تأكيد ستترك خلفك بصمة، فهلا جعلتها بصمة حسنة تُذكر بها إلى يوم الدين؟
الهدي النبوي هو خير وسيلة لنعيش بها، فرسولنا عليه الصلاة والسلام كان باسماً ضاحكاً، فابتسم، ووعدَنا ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه، فأحسن خلقك، وغيرها الكثير إن تعلمناها من نبينا لاستقمنا، تخلص من كل عادةٍ سيئة اكتسبتها، فالحياة لا تستحق إلا الأشياء الجميلة لتعيش بها وتقابلَ بها غيرك.
الآن دعكَ من كل هذا ولأطرح عليكَ سؤالاً، فبعيداً عن مجاملتك الدائمة لنفسك، وبعيداً عن مديحك لذاتك الذي تتشربه بعنف، أغلق كل شيء وفكر بجدية، ما هي الذكرى أو البصمة التي ستتركها عندما تترك كل شيء وترحل؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.