"1"
رجل مبهر جداً في بداية تعاملك معه، يجلس في أي مناظرة أو نقاش لينهيها لصالحه دائماً بتعقُّل، عالِم ومثقف عن غير ادعاء، يؤمن بالحرية والحق والمساواة وبأن المرأة إنسان وكيان مستقل يجب احترامه واحترام رغبته في إنماء العقل وتحقيق الإنجاز مثل الرجل تماماً، أبهرني ما رأيت معه ومنه، وآمنت بقوله وفعله، ولكني لم أستسِغ قط حبه الشديد لفتاة لا تنتمي لأي صفة يدافع عنها في كيان المرأة، ويسِم بها نجاحها، فهي ضحلة الثقافة شديدة البله -أو تصنُّع البله- لا تنتمي له ثقافياً أو علمياً، علاقته بها أشبه بعلاقة أب بابنته، يلعب دور المرشد الروحي في حياتها، ويحرص دائماً على أن يملي عليها ما يجب وما لا يجب فِعله، في ظل ترحيب شديد منها.
لم أحاول يوماً أن أحكم على علاقتهما أمامه أو أفرض رأيي واقتناعي التام بأنهما لن يستمرا طويلاً عليه، واحترمت أن للحب مذاهب، وأنه من الممكن جداً أن يقع الشخص في نقيضه حد الجنون، إلى أن اكتشفت أنه يخونها مع امرأة أخرى تتمايز عنها بالثقافة والعلم والمعرفة، يطرب لمناقشتها ويستمتع بآرائها الكثيرة في كل شيء في الحياة، لا تلمع عيناه لسواها، ولا يتلاقى ذهنياً سوى معها، وحين صارحته بما عرفت هالني اعترافه؛ حيث جزم أنه واقع في حب الاثنتين!
فالأولى توفر له الإحساس بأنه دائماً مُبهِر، يعشق لمعة عينيها حين يريها كل شيء عادي في الحياة لكن في نظرها جديد، يحب شعور الأب الذي تمنحه إياه، وحاجتها الدائمة إلى من يراعاها، لكنها تضغطه في كثير من الأحيان ويشعر أنه منوط بالمسؤولية دائماً، فيعشق قدرة الأخرى على التصرف، ويسمو بلمعة عينيه معها، ويحب قدرتها على احتوائه كمسافر ضل الطريق؛ لتهديه عيناها ويرشده سداد رأيها.
وما بين الاثنتين.. هو لم يحب أحداً من الأساس، لم يحب سوى نفسه فحسب.
"2"
حكى لي أحد أصدقائي في ساعة فضفضة عن علاقته السابقة بفتاة تصغره بخمس سنوات، أحبها بشدة لكنه لم يستطِع الاستمرار معها؛ لأنها طفلة كبيرة -على حد رأيه- لم يستطِع أن يخوض معها مناقشة واحدة سليمة، كانت تطلب إذنه في أشياء عادية، مثل الخروج لشراء ذرّة من الملح، تأخذ موافقته على ملابسها قطعة قطعة، وتطلب منه أن يأخذ لها قراراتها المهمة، قال لي: "شعرت أنني في علاقة مريبة، علاقة أب بابنته وليست علاقة رجل بشريكته، كرهت العلاقة وشعرت بأني رجل عجوز! فانفصلت عنها تواً".
فسألته: "ألا ترى أن أغلب الرجال في مجتمعنا يرون مثل هذه الفتاة كنزاً لا يجب تضييعه؟ كيف تركتها؟"، أجاب ضاحكاً: "بالطبع يرونها كنزاً، لدرجة أن أحد أصدقائي سبَّني حين أخبرته بانفصالي عنها، لكني لم أستطِع العيش مع امرأة لا تعتبر نفسها إنساناً مستقلاً ولا تستطيع تحمُل المسؤولية معي، أتعرفين لِمَ يرغب أغلب رجال مجتمعنا في فتاة مثل هذه؟ لأن العلاقة معها أسهل! فهو غير مضطر لإثبات نفسه أمامها أو إبهارها دائماً، كما أنها لا تعوقه في أي من نزواته، ويسُهل جداً استغلالها بشتى الطرق، إن الأمر لا يتعلق دائماً بالرغبة في السيطرة يا عزيزتي، بل في الاستسهال".
"3"
أخبرتني أمي يوماً أنه سيكون من الصعب عليّ إيجاد الرجل المناسب، لأنني مخيفة! في محاولتي للاستفسار عن معنى كوني مخيفة، أجابتني بأن أغلب الرجال يخافون من الفتيات أمثالي؛ لأننا نعرف قيمتنا وحقوقنا وقدراتنا في الحياة، ولا نخشى الانطلاق ونتحلى بالأمل، يخافون منا؛ لأننا مستقلات عاطفياً ومادياً، وإذا قُدّر لنا الوقوع في الحب لن يكون بحثنا عن الشريك بسبب حاجتنا للأمان العاطفي أو المالي، وإنما للرغبة في تكوين أسرة نتحمل فيها المسؤولية مناصفة كشركاء، ورغم اعتراضي الشديد على كلامها لإيماني بأن المرأة التي تتحمل المسؤولية من المفروض أن تكون مطمعاً عن تلك التي تحتاج لأن يغير لها أحدهم حفّضاتها الفكرية؛ لأنها قادرة على التعامل مع الأزمات وتحقيق التوازن والسعي لنجاح كل فرد في الأسرة، إلا أنها أصرت على كوني مخيفة، وأنه يجب أن أتنازل بعض الشيء لأعثر على شريك مناسب!
لكن يقيني بأن ما أبحث عنه في الرجل الذي يستحق أن يكون شريكاً لي هو الشيء العادي الطبيعي لن يجعلني أتنازل، فأنا لا أطلب سوى أن يحب عقلي ويعشق نجاحي ويعتبر رأيي أساسياً للمضي قدماً في الحياة، وبالرغم من هذا أقلقتني كثيراً كلمة "مخيفة".
"4"
يعج الفيسبوك هذه الأيام بمنشورات غريبة من رجال يتمنون أن يرتبطوا بفتيات لا يعرفن الألف من "كوز الذرة"، لا يفقهن أي شيء في الحياة، يتعلقن بهم تعلقاً مريضاً ينم عن تخلف عقلي، فيقول أحدهم: "تزوج الفتاة التي تضل طريقها إذا ما خرجت من بيت والدها"، ويقول آخر: "إذا أحببت فتاة فيجب عليك ألا تتركها تتحدث مع البائع أو النادل؛ لتعبر عن طلبها أو لتطلب الحساب"، فهم مغرمون كثيراً بالفتيات ناقصات العقل، اللاتي لا يعين أي شيء، في موضة غريبة من نوعها تستعر بين الرجال كالنيران في القش، يساعد في نشرها فتيات يتصنعن التفاهة والبله بحثاً عن عريس، أو أخريات لا يؤمنّ بحقهن في الاختيار واتخاذ القرار!
يبحث هؤلاء الرجال عن فتيات لا يحتاجون لمحاولة إثبات أنفسهم لهن، ولا يخافون من نجاحهن أو علمهن، ويسهُل السيطرة عليهن، فهن أسهل في التعامل معهن، فيكتبون قائمة طويلة بمواصفات الفتاة التي يرغبون في الزواج منها، لتكون في الأساس "بلهاء"، فلماذا يبحثون عن فتاة يتكبدون عناء إقناعها بشيء ما وفي يدهم الارتباط بفتاة تقول آمين على أي قرار يقررونه! هؤلاء الرجال يعانون من أزمة هوية وثقة بالنفس، يهوون في بئر عدم الإحساس بالذات وانعدام الأمان النفسي، فيخافون من كل امرأة تبحث عن الحب والحياة، ويفضلون تلك التي لا ترى الحياة إلا في ذواتهم، ليعوضوا إحساس النقص والوحدة معها، وليكونوا الواحد الكامل في مرآتها، بينما يضحك منهم عقلهم الباطن قائلاً: "أتظن أنك أصبحت كاملاً؟ الآن فقط يا عزيزي بدأت اللعبة".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.