قد تبدو المشروبات الغازية لذيذة ومنعشة، خاصة في الأيام الصيفية شديدة القيظ، ولكن محتواها يشير إلى وجود مخاطر صحية تشمل الأسنان والعظام والبدانة، مما يدفعك للتفكير مرات عدة قبل تناولها.
يتكون المشروب الغازي من أربعة مكونات، الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يذاب فيه تحت الضغط، وهذا ما يجعل المشروب فواراً ومادة تحلية كالسكر أو شراب الفركتوز أو الأسبارتام، بالإضافة لملونات ونكهات، مما يعني أن المشروبات الغازية خالية من أية قيمة غذائية، فهي خالية من الفيتامينات وغنية بالأصباغ والنكهات الصناعية، وهي لا تعطينا سوى السكر الذي يزيد مخزون الشخص من الطاقة من دون أن يشبعه.
تبدأ الرحلة مع السجل التاريخي لهذه المشروبات في وقت مبكر من القرن السادس عشر، حينما اكتشف البريطاني جوزيف بريستلي (مكتشف الأكسجين) وسيلة غرس الماء مع ثاني أكسيد الكربون وذلك عام 1767، ومن ثم ساعد في ظهور صناعة المياه الغازية وروَّج لها باعتبارها معالِجة لمجموعة مختلفة من العلل، على سبيل المثال كانت مياه الصودا توصف بأنها علاج للسمنة.
وتعتبر شويبس هي أقدم المشروبات الغازية؛ حيث تأسست عام 1783 في جينيف لصاحبها جوهان شويب، وتسربت الفكرة إلى الصيدليات لتصبح محلاً للمنافسة، فقد ابتكر الصيدلاني والضابط السابق في الجيش الكونفدرالي الأميركي، جون بيمبرتون المدمن على المورفين عام 1886 بديلاً للكحول من نبيذ الكوكا محتويا علي الكوكايين والكافيين وسمي كوكاكولا، معلناً أنه المشروب المعالج للصداع وينعش الجهاز التناسلي، ومعالجاً لإدمان المورفين، وكان يقف أمام صيدليته "جاكوبس"، وهو يحمل إبريقاً يعبئ منه زجاجات سعر الواحدة 5 سنتات.
ثم ظهر منافساً للكوكاكولا مشروب غازي ابتكره الصيدلاني كاليب برادهام عام 1898 للمساعدة على الهضم وتعزيز الطاقة، ويبدو أن مكونَيه الرئيسيين – مادة البيبسين (إنزيم هضمي) والكولا – هما السبب وراء تسميته بيبسي كولا، وفي عام 1929 أطلق رجل الأعمال تشارلز إل جريج مشروباً غازياً جديداً سماه "صودا حامض الليمون بالليثيوم"، وذلك لاحتوائه على سترات الليثيوم (يستخدم إلى الآن في علاج الجنون)، واستخدم في تسويقه شعار (تخلص من الألم والضيق)، ثم تغير اسم المشروب فيما بعد إلى" سفن أب"، أما مشروب الفانتا فكان اختراعه من نصيب ألمانيا النازية عام 1947 للتغلب على الحظر المفروض عليها من جانب قوات الحلفاء.
كان دخول المشروبات الغازية إلى مصر في الأربعينات من القرن الماضي ودارت معركة كان أطرافها رجال الأعمال وأقطاباً سياسيين ورجال الدين، فكانت فتوي الشيخ سيد قطب، عضو جماعة الإخوان بتحريم بيبسي كولا لاحتوائها علي مادة البيبسين التي تُستخرج من أمعاء الخنازير، وقد اكتسبت الفتوى بُعداً سياسياً بتبني أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة لها، فيما خرجت فتوى مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ حسنين مخلوف بأن البيبسي شراب طيب حلال!!! وهو ما أكده عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشيخ محمود شلتوت بصفته عضواً في لجنة الفتوى بالأزهر الشريف عام 1951.
وتجنح رحلتنا إلى دراسة هامة وغير مسبوقة للصيدلاني البريطاني "نيراج نايك" – فتناول المشروبات الغازية يتسبب في تلف بجسم الإنسان عبر 7 مراحل؛ فأول رشفة تساوي تناول 10 ملاعق سكر مرة واحدة، ما يتسبب في إمداد جسم الإنسان بنحو 100 سعر حراري زائدة عن الجرعة المقبولة صحيّاً، مؤكداً أن حمض "الفوسفوريك" هو ما يخفف من حدة الطعم المائع للسكر الزائد بالمشروب، وبعد مرور 20 دقيقة ترتفع نسبة السكر في دم الإنسان، مما يتسبب في إفراز كميات كبيرة من الإنسولين، ويدفع الكبد لتحويل كل السكريات التي تصل إليه إلى دهون، ثم يمتص الجسم "الكافيين" الموجود كاملاً بعد 40 دقيقة، وينتج عنه ارتفاع ضغط الدم كما ترسل إشارات للمخ توقظه وتمنعه من النعاس بسبب حظر استقبال "الأدينوزين".
وعقب 45 دقيقة ينتج الجسم مادة تسمى "الدوبامين"، تساعد في تحفيز مراكز المتعة بالدماغ، وتعمل بنفس طريقة عمل تناول الهيروين بالضبط في تأثيرها على المخ، ويرتبط حمض الفوسفوريك مع الكالسيوم والماغنسيوم والزنك بالجسم بعد 60 دقيقة، فيتسبب في تأزم عملية التمثيل الغذائي إلى جانب إدرار البول بسبب "الكافيين" والتأثير على العظام، بالإضافة لاحتمالات التعرض لغيبوبة سكر بسبب كمية الكربوهيدرات الضخمة التي تدخل الجسم في وقت قصير جدّاً بشكل مفاجئ.
وترسو رحلتنا مع أحد عشر سبباً بحسب صحيفة "التلغراف" البريطانية تدفعنا لعدم شرب المشروبات الغازية، والأسباب هي: أنها تزيد من خطر السرطان، فشرب كوبين من المشروبات الغازية كل أسبوع يزيد من كمية الإنسولين الذي ينتج في البنكرياس، ويمكن أن يضاعف خطر الإصابة بسرطان البنكرياس. وفي دراسة أخرى شرب كوب واحد من المشروبات الغازية يوميا يزيد من فرصة إصابة الرجال بسرطان البروستاتا بنسبة 40 في المائة.
بينما أكدت دراسة أخرى أن شرب كوب ونصف يومياً يزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي عند النساء، كما أنها قد تسبب أمراض القلب والإصابة بمرض السكر ودهون الجسم، خاصة الخصر وترتبط بشكل كبير بتلف الكبد كما تزيد من الميل للعنف وتسبب الولادة المبكرة عند النساء الحوامل، كما تغير مستويات البروتين في المخ، مما قد يؤدي إلى فرط النشاط، وتسبب الشيخوخة المبكرة والبلوغ المبكر وخطر ألزهايمر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.