هل عندما تدق النواقيس، وتهتز المنابر بكلمات الوطن يناديكم، هل يخبروننا بضرورة الحرب أم بإعمار الوطن.
الحرب وما أدراك ما الحرب! عندما يتحول العالم إلى منفضة سجائر كبيرة، مع كل إنسان يقتل تُنفَضُ عقبَ سيجارةٍ في منطقةٍ ما، يا لها من حياة رخيصة، وعقارب الساعة ترمز إلى فوهات البنادق فما أن تمر إحدى دقائق حتى يكون هناك ضحايا في هجومٍ ما.
من الذي قال: إن العالم متعطش للسعادة، لو أمعنا النظر قليلاً لرأينا أن العالم متعطش للحروب والقتل على مدار الساعة.
في هذا العالم المتضارب ينام الشخص بثياب نومه ليستيقظ بزي عسكري، يحمل متفجرات وقنابل والكثير من الذخائر ليقاتل بضراوة، من يقاتل، ولِمَ يقاتل، ومن أجل ماذا؟.. لا يعلم، الأهمية تكمُن في البقاء فحسب، وللبقاء عليه القتال والمواجهة، فهو يخرج من بيته ليشتُمَ جاره لعلمهِ باختلافه المذهبي أو الطائفي عنه.
هنا في بلاد الحرب، كل شيء جائز للحفاظ على البقاء، فلقد اختفت كل القوانين والإنسانية وحقوق المرأة والأطفال حتى، اختفت الابتسامة وغناء فيروز مع فنجان قهوة كُلَ صباح، واستبدلت بنشرات الأخبار والمؤتمرات الجديدة التي ستتحدث عنهم على طاولتها.
ينظر المرء إلى وجهه في المرآة فيهاب من نفسه، فهاتان العينان الجاحظتان ليستا له، وهذا الشعر الأجعد من أين أتى، وما بال جلده يلتصق بعظامه، متى حدث كل ذلك.
أجل هذه نتائج الحرب وما آلت إليه، توقفوا عن سيمفونيات القتل والرصاص كل صباح واستريحوا للحظة، ودعوا كل هذه نزاعات جانباً لوهلة، دعوا العالم يرى السماءَ بلونها الأزرق ليس بالبراميل المتفجرة ولا بصواريخ ولا بالقنابل العنقودية.
بعدما أصبحنا في القرن الواحد والعشرين، نرى أناساً يختبئون في كهوف أو حُفر كشرنقة تحتمي من عالم ليس به سوى الدمار، أجل يختبئون لحماية ما تبقى لهم من جسدٍ بالٍ، يُخفُونَ أنفسهم خوفاً من قصفٍ بلا هوادةٍ على رؤوسهم، قصف لا يفرق بين بريءٍ وظالم، بين طفل كل جُرمِهِ أن يلعب في أحد الشوارع وقناص يريد إفراغ رصاصته في جسدٍ ما.
فهذا الشاب المهاجر هناك كان حلمهُ بالهجرة ليكملَ دراسته، وتلكَ السيدة كان حلمها بالسفر لترى جمال العالم، أم ذاك الطفل كان شغفه بالسفر ليشبع ناظريه من هذا العالم، لكن كل هذه الأحلام كانت قبل الحرب ومآسيها، كل هذه الأحلام أصبحت تصب في نقطة واحدة، وهي اللجوء هرباً من ضراوة الحرب وأسنانها الحادة.
ظنوا بهجرتهم هذه سينالون درب الأفراح وجماله، لكنهم صُعِقوا بنهر الدمع الذي استقبلهم، فلم ترحمهم الحياة لا في بلادهم ولا في هجرتهم.
فلنسأل الليل لعله يُنوم جوانحه ويُرسِل عطراً على أعين اللاجئين، وتنام أعينهم معه، ليحلموا بغدٍ أفضل، فلم يعد لهم سوى التّمني والأحلام لتنتشلهم من واقعٍ مزرٍ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.