عيد الأضحى المبارك: فرح ومنافع للبعض وأحزان للبعض الآخر

إن العيد فرصة السعادة والفرح، فماذا لو شكّل لدى البعض هماً ومناسبة حزينة، وهنا أخص بالذكر فئتين لا ثالث لهما، أما الفئة الأولى فهم الفقراء الذين لا يتمكنون من شراء الخروف ولا يحصلون عليه، وبالتالي يكون يوم العيد في بيوتهم كئيباً حزيناً يمر كباقي الأيام عدا أنهم يسمعون ضحكات الأسر المجاورة

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/20 الساعة 02:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/20 الساعة 02:57 بتوقيت غرينتش

لا يختلف اثنان في أن عيد الأضحى يعتبر من أهم المناسبات في حياة المسلمين على اختلاف مذاهبهم عبر بقاع العالم، وتتجلى أهميته في كونه مناسبة دينية يتقرب فيها العبد من ربه، بتقديم قربان يعبر به عن حمده وشكره لله تعالى على نعمه، فكيف لا يكون مهماً وهو مقرون بفريضة الحج التي ينتظر كل المسلمين كباراً وصغاراً دورهم لتأديتها في الديار المقدسة، فهو الذي توسط يوم عرفة وأيام التشريق؛ ليأخذ كل هذه الرمزية والأهمية في حياة المسلمين.

لكن بالإضافة إلى كل هذه المنافع الدينية الروحانية فعيد الأضحى يلعب أدواراً أخرى في دنيا المسلم في تلك الفترة، فيشكل بذلك محطة فرح واستفادة وربح بالنسبة للبعض، كما يشكل للبعض الآخر محطة يغلب فيها الحزن والألم على الفرح والسعادة، كما سنرى فيما بعد.

الأصل في عيد الأضحى هو التعبد والتقرب لله تعالى، لكن هذا العيد المبارك يأبى إلا أن يحضر معه للمسلمين منافع لحياتهم الدنيا، فيكون بذلك الفرحة التي ترسم الابتسامة على وجوه الكبار والصغار؛ إذ نشاهد جلياً سعادة الأطفال بخروف العيد وبأجوائه، فمن منا في طفولته لم يهب مسرعاً لمحلات بيع الخرفان ليلقي نظرة عليها تبعث البهجة إلى القلب؟! فنلعب مع هذا الخروف ونداعب الآخر، من منا لم يتنافس مع أصدقائه وأطفال حيّه عن خروف من الأكبر؟! فتغمرنا حينها فرحة قد لا تتكرر في مناسبة أخرى أو مكان آخر.

أما الكبار فتكون فرحتهم من فرحة وسعادة أبنائهم من جهة ومن صلة الرحم وزيارة أقربائهم لهم من جهة ثانية، فيزور بذلك الصديق صديقه، والأخ أخته، وتجتمع العائلة، ويكون لهذا الجمع الفضل في إحساس أعضاء العائلة جميعاً بالفرح، فضلا عن فرحة صلاة العيد التي تجمع الحي برمته، فيخلق ذلك الجمع المبارك سعادة لا تقل عن نظيرتها وسط العائلة والأقرباء.

لعيد الأضحى منافع أخرى، هذه المرة ستكون ذات طابع اقتصادي، فالكثير من الناس يستغلون فرصة العيد لاستثمار أموالهم بشراء الخرفان وإعادة بيعها ثانية، وبذلك تحقيق ربح اقتصادي يساعدهم في أمور حياتهم فيما بعد، بالإضافة إلى فرص الشغل التي يخلقها لنا عيد النحر من نقل للأكباش من المحلات إلى البيوت، وكذلك كراء المحلات للبائعين، المساعدة في عملية البيع مقابل مبلغ مادي، بالإضافة إلى ذبح وسلخ الخروف يوم العيد للأسر التي لا تستطيع فعل ذلك مقابل مبلغ يتفق عليه الطرفان، فكل هذه الفرص تتاح للمسلمين في فترة العيد، وتعود عليهم بأرباح كثيرة.

من منافع العيد أيضاً هناك المنفعة الاجتماعية التي تتجسد في مساعدة المسلمين بعضهم البعض، وذلك بشراء الأغنياء من المسلمين أكباشاً للأسر الفقيرة، بل أخيراً الأمر قد تطور ليتجاوز حدود مساهمة الأغنياء فقط، لنشاهد في الدول الإسلامية بعض المبادرات التي يقودها شباب، والتي تهدف لجمع الأموال وشراء خرفان، ومن ثم القيام بإهدائها للأسر المعوزة، وهذا لا يعود بالنفع فقط على الأسر الفقيرة، بل حتى الشباب الذي يطور في داخله الحس الإنساني التطوعي، ومن يدري كم ستسهم هذه المساعدات في نشر المحبة في الشوارع والأحياء بين المسلمين في قادم السنوات.

رغم كل ما شهدناه في العيد من منافع دينية وأحياناً اقتصادية واجتماعية فإن العيد يبقى مناسبة تزداد فيها بعض السلوكيات السيئة، والتي لا علاقة له بها إنما تعود أساساً لبعض المرضى النفسيين الذين لا يعرفون معنى للتقرب إلى الله أو طاعته، فيكثفون من عمليات سرقة لمبالغ كبيرة في الأسواق، وكثيراً ما ينجحون في ذلك، فيحولون فرحة المسلم بإقباله على شراء خروف العيد إلى حسرة وصدمة قد لا يخرج منهما بسهولة، وأخيراً بدأنا نشاهد ظاهرة تجاوز فيها السارق سرقة المال؛ ليصل إلى حد سرقة الخروف بعد شرائه، وذلك بالنصب، خاصة على النساء اللواتي يقبلن على شراء الأضحية دونما أي علم بخبايا السوق ومخاطرها، فيذهبن ضحية للجشع والطمع في قلوب اللصوص الذين لا يعرفون معنى للشفقة والرحمة، لكن يظل هؤلاء قلة قليلة، ولله الحمد.

إن العيد فرصة السعادة والفرح، فماذا لو شكّل لدى البعض هماً ومناسبة حزينة، وهنا أخص بالذكر فئتين لا ثالث لهما، أما الفئة الأولى فهم الفقراء الذين لا يتمكنون من شراء الخروف ولا يحصلون عليه، وبالتالي يكون يوم العيد في بيوتهم كئيباً حزيناً يمر كباقي الأيام عدا أنهم يسمعون ضحكات الأسر المجاورة ويشمون روائح شرائح اللحم، ويكون بذلك المشهد قاسياً على الأطفال، خصوصاً الذين لا ذنب لهم غير ولادتهم في أسر معوزة، لكن يبقى حمدهم لله في كل الأحوال سبيلهم للعودة من ذلك المشهد مقنعين أنفسهم أنه يوم وسيمر.

أما الفئة الثانية فهي الأسر التي يغيب عنها أحد الأفراد، خصوصاً إذا كانوا حديثي العهد بغيابه سواء كان أباً أم جداً أم ابناً أو أما ميتاً مريضاً أم سجيناً، فلا يكون للعيد وقع عليهم سوى تذكيرهم بالغائب، وما كان يفعله كل عيد، فتتحول ابتساماتهم إلى دموع تنسيهم فرحة العيد التي سرعان ما تتحول إلى صمت وأحزان.

رغم كل هذا يظل عيد الأضحى بلسماً لقلوبنا نفرح بقدومه، ونحزن لذهابه، منتظرين إياه السنة القادمة، إن شاء الله.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد