"أنا مش محجبة.. أنا بصلّي"، "أنا بضحك بصوت عالي.. أنا مش قليلة الأدب"، ومجموعة أخرى من الجمل كانت مكتوبة على لافتات ورقية تحملها عدة فتيات، في حملة تهدف لتحطيم النمطية وعدم الحكم على الآخرين دون معرفتهم.
انطلقت تلك الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم طرح وجهة نظر الحملة أو الفتيات بأسلوب جيد يجذب الانتباه، وبجمل قوية ولافتة، واستطاعت تلك الحملة الانتشار بسرعة، وطرح تساؤلات ووجهات نظر كثيرة.
بعد طرح الحملة وجهة نظرها، خرج علينا عبد الله الشريف، وهو أحد المدونين المصريين المعروفين، ومن أشهر مقدمي البرامج على اليوتيوب بفيديو ينتقد بعض اللافتات في تلك الحملة، ويطرح وجهة نظره من خلال الفيديو بأسلوبه الساخر المعتاد.
حتي تلك اللحظة فقد كُنت أرى أن ما قامت به الحملة من التعبير عن وجهة نظرها وطرحها، وقيام الشريف بنقد اللافتات وتعبيره عن نقده باستخدام الفيديو هو أمر جيد، ويثري عملية النقاش والحوار، وساعد ذلك على زيادة التفاعل وإظهار وجهات النظر المختلفة بين كثير من الأشخاص على صفحات التواصل الاجتماعي.
ولكن الأمر لم يتوقف عند تلك النقطة، وليته توقف عند ذلك، تحول النقاش إلى صراع، تحول الحوار المعتدل إلى الاستقطاب الحاد وهجوم، اتجه النقاش إلى منحى آخر لا أجد توصيفاً له غير أنه حماقة تدعو إلى الاشمئزاز.
فاتجه المؤيدون والمعارضون لأفكار كل من الحملة والشريف إلى الهجوم اللاذع الذي يخلو من المنطق علي الطرفين (الشريف والحملة)، فهم لم يهاجموا الأفكار المطروحة، سواء في الحملة أو في نقدها، بل كان الهجوم على الأشخاص أنفسهم.
اتجه البعض إلى الهجوم الحاد على الحملة واتهامها بازدراء الأديان والدعوة إلى الزندقة والفسوق، وكأن المهاجمين قد شقوا عما في صدور تلك الحملة ليعرفوا نياتهم، وأنا أعتقد أن بعض هؤلاء المهاجمين لم يشاهدوا باقي اللافتات التي عُرضت في الحملة التي لا علاقة لها بالدين أو التدين، لا من قريب أو من بعيد مثل "أنا بعيد السنة.. أنا مش فاشل"، ولافتات أخرى.
اتجه بعض المؤيدين لأفكار الحملة إلى الهجوم على الحملة في خطوة عجيبة، واتهموا الحملة بالرجعية والتخلف، وذلك لا لاختلافه مع الفكرة المطروحة، بل لأنهم طرحوا الفكرة أصلا!
وكان هجومهم من منطلق أنه لا يوجد مبرر لطرح الحملة أفكارها على المجتمع، وأن الحرية لا تحتاج إلى إذن أو عرض، وفي صورة مشابهة لفكرة المعارضين للحملة فيبدو أن المؤيدين لم يقرأوا أهداف الحملة التي تدعو المجتمع نفسه إلى كسر النمطية والقولبة ورفض وجهة النظر الواحدة، أي أن الحملة أصلاً موجهة للمجتمع.
آخرون اتجهوا إلى التهكم المبالغ فيه، بل الوصول إلى التهكم على الفتيات وأشكالهن بصورة عنصرية مستفزة.
وعلى الجانب الآخر لم يسلم الشريف هو الآخر من الهجوم من الطرفين من مؤيديه ومعارضيه سواء؛ فقد اتجه رافضو طرح عبد الله الشريف ونقده للفتيات باتهامه بأنه ينتهك الحقوق العامة والحريات الشخصية، وأنه لا يمتلك حق نقد الحملة أو الاعتراض، وعابوا على عبد الله ما قاموا هم به أصلاً، فقد رفضوا حق الشريف في النقد وطرح أفكاره، وهم من انتهكوا حقه وحريته في التعبير عما يريد، وعن وجهة نظره، وكأنه حلال على الحملة طرح وجهة نظرها، حرام على الشريف!
وآخرون اتجهوا إلى توصيف الشريف بالإرهابي الداعشي؛ لأنه يدعو إلى قمع الحريات ورفض الأفكار، ولم يفرقوا بين طرح الشريف لوجهة نظره على صفحات التواصل الاجتماعي، وعرضه لأفكاره بأسلوب بسيط وسلمي، لا يختلف عن أسلوب الحملة في طرح أفكارها أصلاً، ومن يطبق أفكاره بالقتل والإرهاب والحرق كما تقوم به داعش.
أما المؤيدون لأفكار الشريف وطرحه فقد اتجهوا إلى الهجوم أيضاً على الشريف واتهموه بالتفريط والاستهانة بأمور الدين، وأنه كان لا بد أن يكون أكثر صرامة وحزماً ولا يكون بذلك الهدوء وألا يتبع السخرية، وآخرون لم يعنِهم الرفض فاتجهوا إلى اتهام أسلوب الشريف بأنه ممل وثقيل الظل.
في ذلك المقال أنا لم أتجه إلى نقد أو طرح أفكار الحملة أو الشريف، وحتى لم أسعَ إلى إظهار تحيزي لأحد الطرفين، فما حاولت تقديمه هو كيفية تعاملنا مع الأفكار والآراء بغض النظر عن المحتوى، ولكن ما أثار تعجبي حقاً هو تفاعل المجتمع مع الأفكار والآراء، وكأن طرح الفكرة أو نقدها جُرم أو ذنب، وأن الحل هو الصمت والتوقف عن التفكير أو النقاش، وأن المجتمع يمتلك حالة من ازدواجية المعايير المفرطة، فحق الشريف في السخرية مرفوض، ولكن حق باسم يوسف في السخرية كان مكفولاً عندما كانت سخريته تخدم وجهات نظرهم، وحق الحملة في عرض أفكارها مرفوض، ولكن حق الاستهزاء منها ورفع لافتات ساخرة منها وقذف الحملة والقائمين عليه مكفول.
وحتى لا أقع في الخطأ الذي وقع فيه الآخرون، فإن حق النقد وطرح الأفكار مطروح للجميع، ولكن الاتهامات بالفسوق والإرهاب والسخرية والتهكم من الآخرين ومن أفكارهم، والوصول لمرحلة السب والقذف لاختلاف وجهة النظر لن يصل بنا الحلول، من حقك أن تفكر وتعبر، ولكن ليس من حقك الإساءة.
لينك فيديو الشريف .. اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.