اخترت الحديث بلسان من سمّوهم "المعاقين"، تلك الفئة الهامة التي ظلت لسنوات طوال تعيش في ظلام حالك، وتفتقر لأدنى حقوقها، بل تعاني في صمت موجع بحجة "الإعاقة"!
أنا معاق يا سادة.. وماذا بعد؟! فقد منَّ عليَّ المولى بهذه الميزة الشرفية، وكرمني بها عن سائر خلقه، فالإعاقة لا تكمن في الجسد العليل، فهو متآكل، بل في العقل البشري الدنيء، عقل متخلف، رجعي، يعتبر الآخر سلعة يجب أن تخضع لمعايير الكمال والجمال، فيرتفع سعرها ويزداد الإقبال عليها، وفي حالة فسدت للسبب من الأسباب تتعرض للإتلاف مباشرة..
مع الأسف، هكذا أصبح الإنسان يقوّم بثمن، ثمن بخس جداً، وكأننا في عهد النازية، لما كان هتلر يُقدم على الخلاص من "ذوي الإعاقات"، لتحقيق مجتمع سليم يتميز بالقوة والصلابة!
عذراً نحن في القرن 21، أنا وأنت متساوون كأسنان المشط، فكما علينا نفس الواجبات، إذن لدينا نفس الحقوق التي من أوجب واجباتك احترامها ومراعاتها.. رجاء لا تناديني بمعاق، نعم أرفض هذا اللقب المستعار، فلديَّ اسمي الخاص، وإن فعلت فأنت تدل على مستوى دونيتك وقلة احترامك لي، وأنا منزّه عن ذلك.. أنت لا تحتقرني ولكن تحتقر إنسانيتك وتبرز مدى سخفك وسذاجتك.
أنا لا أحتاج شفقتك ونظرتك التي تعلوها المسكنة، فقد ناضلت لأخرج من جحري وأفك قيودي الوهمية التي لطالما أسرتني وحالت بيني وبين حلمي، حلمي أن أكون إنساناً كرامته تفوق كل الأشياء لديه، طموحاته الشامخة كباقي الأنام.
لقد درست مثلي مثلك، بل تفوقت عليك، فدخلت الكليات والمعاهد بكيفية مستحقة حتى حصلت على شواهد عدة، آملاً أن أحظى بفرصة الاندماج في سوق الشغل، فعيب عليك يا ربَّ العمل أن ترفضني بحكم أني معاق رغم كفاءتي التي تتجاوز ذاك السليم هناك!
هل تظن يا أخي الإنسان، أن وجعي سيخف عند تفننك في صياغة اسمي؟! فعوض "معاق" أصبحت تناديني بـ"ذوي الاحتياجات الخاصة"؟!.. لا على الإطلاق، فأنا في غنى عن هذا اللقب المستعار الذي رسخ في نفسي النقصان، راجع نفسك، فأنت على ما يبدو في حاجة ماسة إلى تغيير عقليتك البالية، ونفض الغبار المتراكم عنها، بل والاستيقاظ من حالة اللاوعي التي تعيشها.
لست بمعاق، ولا أقبل أن تُضيفني إلى لائحة ذوي الاحتياجات الخاصة، بل أنا من ذوي القدرات الخاصة، قدرات تخطيت بها كل الحدود لأخلق شيئاً غير معهود، فأرسم معالم مستقبل مستقل، يكفيني عناء السؤال ومد يدي لطلب المساعدة من تلك وذاك.
الآن منا المهندس والقاضي ورجل الأعمال بل وحتى العالِم، لكن نظرة الآخر لا تزال تقتصر على ذاتي متجاهلاً إنجازاتي، في خضم مجتمع نمطي تسوده العنصرية الضمنية التي لطالما قيدت مواهبي وحصرتني في خانة محدودة، بل حظيت بركن قاتم في معزل عن الباقين.
تعددت أسمائي واختلفت ألقابي، لكن رجاء احترموا ذاتي، وكفوا عن التقليل من قدراتي، فإعاقتي مجرد صفة نوعية جعلتني مغايراً عنك ليس إلا، أما الإعاقة الحقيقية فهي إعاقة فكر جعلك تهزأ بي، وتنتقص من شأني، بل وتراني عاجزاً يمكن الاستغناء عنه في أي وقت.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.