أدت الضربة الجوية التي شنتها الولايات المتحدة وأصابت قوات النظام السوري دون قصد خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلى تحول الولايات المتحدة إلى حالة الدفاع وتقويض الجهود الأميركية للحد من العنف خلال الحرب الأهلية وفتح مسارات للإغاثة الإنسانية.
ظنت الولايات المتحدة أنه في حالة إخفاق اتفاق تقليص حدة الأعمال العدائية في سوريا الذي أبرمه وزير الخارجية جون كيري مع نظيره الروسي في جنيف منذ تسعة أيام، فسوف تتكشف ازدواجية روسيا في الحرب، التي تدعم موسكو من خلالها الرئيس السوري بشار الأسد.
ولكن ما حدث كان عكس ذلك، والسبب كان الضربة المخطئة -حيث ظن الطيارون الأميركيون أنهم يصوبون ضربتهم تجاه جهاديي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بما أودى بحياة أكثر من 60 جندياً سورياً، بحسب ما ذكرته القوات العسكرية الروسية.
كشفت هذه الضربة عن محاولة البيت الأبيض صياغة استراتيجية محكمة خلال الحرب متعددة الأطراف، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأحد 18 سبتمبر/أيلول 2016
فالولايات المتحدة لديها أهداف متضاربة بالحرب، بدءاً من القضاء على تنظيم داعش إلى تنحية الرئيس السوري بشار الأسد في النهاية عن منصبه.
تنحي الأسد
وبعد نحو عام واحد من بدء كيري مفاوضاته الدبلوماسية للحد من أعمال العنف، ثم إبرام الاتفاق السياسي الذي يستهدف انتقال السلطة، يبدو أنه لم يقترب خطوة واحدة نحو تحقيق ذلك الهدف. فقد توقفت المطالبات الأميركية السابقة التي تدعو الأسد إلى التنحي خشية أن يستغل الجهاديون فراغ السلطة في دمشق.
منحت الضربة الجوية الشاردة، التي اعتذرت عنها الإدارة للرئيس الأسد، كلاً من الروس والحكومة السورية قدرة دعائية هائلة: فقد أشارت روسيا إلى كونها ناتجة عن عدم رغبة أميركية في تبادل المعلومات، بينما ذكرت حكومة الأسد، على النقيض من كافة الأدلة الأخرى، أن الولايات المتحدة كانت تسعى إلى حماية تنظيم داعش.
لم تنته محاولة تحقيق "تخفيف حدة الأعمال العدائية" على مدار سبعة أيام متواصلة -وهي خطوة أولى ضمن سلسلة من الخطوات التي يتضمنها الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا. بل يمكن أن يبدأ تنفيذ ذلك من جديد. ومع ذلك، فقد ذكر مسؤولون أميركيون أنه من الواضح أن تلك الجهود سوف تخفق، على غرار إخفاق اتفاقية وقف إطلاق النار خلال فبراير/شباط 2016.
اتهم مسؤولون أميركيون روسيا بعدم الضغط على الأسد لوقف العمليات العسكرية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
ودعا كيري روسيا من خلال قناة CNN صباح الأحد، إلى وقف "محاولات حشد التأييد" وإلى الضغط على حكومة الأسد لتنفيذ اتفاقية جنيف، بما في ذلك السماح بتوصيل المساعدات إلى المناطق الخاضعة للحصار.
وذكر كيري "الخطوة الكبرى التي يتعين القيام بها هي منع الأسد عن توجيه الضربات دون تمييز. وكذلك فإن السماح له بمطاردة المعارضة، باعتبارهم من أتباع جبهة النصرة، يمثل تحدياً هائلاً في حد ذاته يواجه تلك الجهود".
فقد تم وضع خطة الحد من العنف لمنع القوات السورية من توجيه الضربات إلى جماعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة، وزعم أن تلك الجماعات تابعة لقوات النصرة، التي كانت ترتبط حتى وقت قريب ارتباطاً رسميا بتنظيم القاعدة.
أوضح الموقف في سوريا يوم الأحد 18 سبتمبر/أيلول 2016، أن وقف إطلاق النار الذي بدأ يوم الإثنين 12 سبتمبر/أيلول 2016 كان هشاً.
فقد أطلقت الطائرات المقاتلة أربعة قذائف على الأقل على مناطق تمركز المعارضة في حلب، أكبر المدن السورية، بينما أسقطت مروحيات الحكومة السورية القنابل بصورة ارتجالية على قرية في جنوب البلاد، أودت بحياة تسعة أشخاص على الأقل، بحسب إحدى منظمات المراقبة للنزاع.
الروس ليسوا جادين
ويعتقد العديد من المسؤولين الأميركيين أن الروس لم يكونوا جادين مطلقاً بشأن الاتفاق المبرم في جنيف. ويرى المسؤولون أن الروس كانوا يبحثون عن عذر يعرقل الاتفاق ويحافظ على الوضع الراهن، الذي يسيطرون من خلاله على الأحداث في سوريا بصورة أكبر من أي دولة أخرى، باستثناء إيران. وفي تلك الحالة، أدت التفجيرات العرضية إلى تيسير تلك المهمة.
واجه كيري العديد من المتشككين في واشنطون بشأن نجاح الاتفاق الذي توصل إليه مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، حسب تقريرالصحيفة الأميركية.
وكان من بين هؤلاء المتشككين وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، وهو الوحيد الذي اعترض على الاتفاق خلال ليلة توصل كيري إليه في جنيف. وخشي كارتر أن يكشف الاتفاق عن الكثير أمام الروس بشأن الاستخبارات الأميركية، وذكر أن موسكو تتعمد التوصل لمثل هذا الاتفاق خلال الشهور الأخيرة لحكم أوروبا.
ورأى كيري أن الأمر يستحق عناء اختبار رغبة الروس في التوصل إلى حلول. ومع ذلك، يبدو أن التفاؤل الذي كان يشعر به أصبح في مهب الريح يوم الأحد.
وذكر كيري "من المفترض أن تتدفق المساعدات الإنسانية. فالنظام يحول دون وصولها ثانية. ولذلك، فإن الصديق الذي تدعمه روسيا هو العقبة الكبرى التي تقف أمام القدرة على التحرك إلى الأمام".
ومع ذلك، أكدت التفجيرات المميتة مدى صعوبة ضمان مشاركة كل من القوات الأميركية والروسية بالمعارك المعقدة بسوريا.
قبلها بـ20 دقيقة
ففي ظل النظام الحالي، من المفترض أن تسمح المكالمات الهاتفية بين القوات الروسية والقيادة الأميركية لكل جانب بإخطار الجانب الآخر حول تحرك طائراته، وأحيانا ما يكون التحذير قبل دقائق قليلة فقط.
حدث ذلك يوم السبت، حينما اتصل المسؤول الأميركي في قطر بنظيره الروسي كي يخبره بشأن الضربة الوشيكة، وفقاً لما ذكره مسؤول القيادة المركزية. وبدأت الضربات الأميركية وجاءت مكالمة عاجلة بعد انقضاء 20 دقيقة، حيث أخطر الروس الأميركيين في قطر بشأن مقتل القوات السورية.
وذكر أندرو جيه. تابلر، الخبير السوري بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط "يتمثل التناقض هنا في أن القيادة المركزية تذكر أنها أخبرت القوات الروسية بقيامها بتوجيه ضربة جوية للمنطقة، التي وجهت إليها ضربات جوية متعددة من قبل. قد تعتقد أنه كان من المفترض أن يقوم الروس، الحليف الدولي الرئيسي للأسد، بنقل الرسالة".
واتصل كيري يوم السبت أيضاً بـ لافروف للتأكيد على الحاجة إلى أن توقف القوات السورية عملياتها لبدء تدفق المساعدات الإنسانية إلى داخل البلاد. واعتباراً من صباح الأحد، لم يتحسن الموقف، بحسب ما ذكره مسؤول وزارة الخارجية.
ومع توجه زعماء العالم ووزراء الخارجية إلى نيويورك لحضور الافتتاح السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، سوف يعقد كيري اجتماعاً يوم الثلاثاء 20 سبتمبر/أيلول 2016 للمجموعة الدولية لدعم سوريا، وهي الهيئة متعددة الجنسيات التي وضعت خطط الحد من العنف والحل السياسي من أجل سوريا. وتتضمن تلك المجموعة الولايات المتحدة وروسيا والصين وتركيا والبلدان الأوروبية والعربية، ولكل منها مصالح مختلفة في ذلك الصراع.
وحتى بعد اعتراف الولايات المتحدة بقتل القوات السورية دون تعمد، استغل المسؤولون الروس والسوريون عمليات التفجير، للتعبير عن أن الولايات المتحدة وقوات المعارضة التي تدعمها هم المسؤولون عن تقويض الاتفاقية.
وذكروا أن السوريين الذين لقوا مصرعهم كانوا يحاربون جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وأن التفجير لم يكن حادثاً عرضياً.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها "إذا لم تكن الإجراءات التي اتخذها طيارو التحالف قد تم اتخاذها بناءً على أوامر صادرة عن واشنطون، فإنها تنجم عن إهمال جنائي وتشجيع من قبل إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية".
وأضافت الوزارة "نحث واشنطن بشدة على أن تمارس الضغوط اللازمة على الجماعات المسلحة غير النظامية الخاضعة لسيطرتها، من أجل تنفيذ خطة وقف إطلاق النار غير المشروط. وبخلاف ذلك، فإن تنفيذ الاتفاق الروسي الأميركي الذي تم التوصل إليه في جنيف في 9 سبتمبر/أيلول يمكن أن يكون معرضاً للمخاطر".
من يضرب.. الروس أم الأسد؟
كانت الضربات الجوية، التي تم شنها على حلب يوم الأحد الماضي والتي أصابت كلاً من القوات الحكومية والمعارضة، هي الأولى التي تصيب المدينة منذ تفعيل الاتفاقية يوم الإثنين الماضي. ولم يكن واضحاً ما إذا كانت تلك الضربات قد شنتها طائرة سورية أو روسية، وكلاهما تقصف المعارضة كثيراً، حسب تقرير نيويورك تايمز.
ولم يكن واضحاً أيضاً ما إذا كانت الضربات الجوية الموجهة ضد حلب قد قتلت أحداً.
وقد ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يراقب النزاع من مقره ببريطانيا، أن أربع قذائف قد ضربت المدينة، ولكنه لم يذكر شيئاً عن وقوع أي خسائر.
ونشر رجال الإسعاف بالمدينة صوراً لأطفال لقوا مصرعهم وأصيبوا خلال الضربات الجوية.
وتحدث المرصد أيضاً عن تسع حالات وفيات خلال عمليات القصف جنوبي سوريا، بالإضافة إلى عمليات القصف المتناثرة التي شنتها القوات الحكومية في أماكن أخرى من البلاد.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.