عنّي في النّهاية.. ما يقولهُ بيسوا: "لقد مَرَّ وقتٌ طويل منذ أن كنت أنا أنا".. وحقيقة الناس يقولها كونديرا بصورة عارية جداً: "إنّ الأشخاص لا يهتم بعضهم ببعض، وهذا بالنسبة لهم شيء عادي".
وأنا كطارق كم أنا بِحاجَة إلى أشياء تافِهة جداً/ إلى مُتعات تافهة وبسيطة، بحاجة إلى أيام عاديّة، لا أسقط فيها من رأسي، ولا يسقطُ من رأسي أحد، بحاجة إلى تفاصيل لا تعني سواي.
إلى حب غارق في ذاته، يقترف قلبي دون أن يكرّر جَرحه، بحاجة إلى أن يمتلئ الوقت بما لا يعنيني كي أفقد العُزلَة، بحاجة إلى حقيبة جلدية صغيرة تكفي مغادرة طارئة لن تجيء، بحاجة إلى كائن أليف يكسر الصمت، بحاجة لأن أغادر بيتي وهذا البلد اللعين جداً!
الحقيقة.. أنا خسرتُ كلّ هذا/ خسرتُ كلّ ما هو عادي وبسيط.. أنا لا شيء!! أتعلم لماذا؟ دعني أخبرك إذن.
أنا عربي، إذن أنا لا شيء، لست أنا من يقول ذلك، بل الظروف والحياة والناس جميعاً يقولون ذلك، حتى وإن كنت شيئاً فأنا في نظر العالم غير موجود، غير موجود في أعرافهم وقوانينهم وثقافتهم أيضاً، ولأنني عربي نعتوني بصفاتٍ لا أؤمن بها مطلقاً، لعل أبرز تلك الصفات هي "رجعي متخلف جاهل"، وأنا لست كذلك، لست كذلك.
لقد تفرق دمي بين العالم أجمع، وكلهم نال نصيباً من دمي، الحكومات والشعوب والتيارات السياسية والدينية، حتى بنو جلدتي منهم من ناصبني العداء.
صمت العالم حين رآني أُقتل، منهم من استغل الموقف ليغرز خنجره في خاصرتي، ومنهم من ذرف دموع التماسيح، ومنهم من كان عداؤه لي بشكل واضح، فاقترب أكثر ليجهز عليّ، ومنهم من ادعى أنه برز ليدافع عن حقي في الحياة، ولا أحد منهم صادق في قوله وفعله؛ لذا كنت أموت في اليوم ألف مرة؛ لأنني عربي، ولأن العروبة جسد واحد، وكلما قتل عربي فقدت جزءاً مني.
تركت ما أنا فيه وهاجرت في الأرض بحثاً عن حياة كريمة لعلي أجدها في مكان ما، لكنني اصطدمت بالواقع حيث لا شيء مختلف، وجدت الجميع سفاحين قتلة بشكل أو بآخر.
أنا الآن لا أملك شيئاً، لا منزل، لا مال، لا عمل، لا حياة، لا شيء، لا شيء إطلاقاً.
أولست إنساناً مثلكم؟ والأرض لنا جميعاً بكل ما فيها؟ أوليس أبي هو آدم؟ وأمي هي حواء؟ أولسنا بشراً مثل بعض؟ تجمعنا الإنسانية وتفرقنا الثقافات والأديان والمذاهب السياسية والفكرية!!
لماذا لا نعيش جميعاً، جنباً إلى جنب فعلى هذه الأرض ما يكفي لنعيش معاً، كلنا سنرحل يوماً، وهي سنة الخلق وقانون الطبيعة.. لماذا لا نتصرف بأخلاق ووعي وعقل؟ هل يتحتم عليكم إلغاء كل مخالف لكم؟
هل يجب عليكم قتل مَن يختلف عنكم ديناً ولوناً وفكراً؟ من أعطاكم الحق في ذلك؟ من ملككم رقاب الخلق لتفرضوا عليها قوانينكم؟ من الذي شرع لكم ذلك دون سواكم؟ إن كنتم تؤمنون بكتاب مقدس أو قرآن أو أي كتب كانت سماوية أو أرضية فهذا لا يعني أنكم على الحق في كل شيء، ولكم الحق في كل شيء.
لنعش جنباً إلى جنب، ففي الأرض متسع للجميع، كل الأديان تدعو للتسامح، ولكن فكركم يدعو إلى غير ذلك، وفهمكم القاصر والمعاق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.