سمع الجميع تقريباً عن هيئة الأمم المتحدة، لكن من منا يعرف الدور الذي تؤديه؟ أو كيف تؤدي هذا الدور؟ أو لماذا؟ بما أننا بصدد اجتماع قادة العالم لبدء الدورة الـ71 للجمعية العامة للأمم المتحدة. إذ تسعى هذه المؤسسة جاهدةً إلى الارتقاء بمستوى وعود مؤسسيها في تحقيق ونشر السلام والأمان في العالم، ليحيا الجميع في عالمٍ أفضل.
ميلاد الأمم المتحدة
وقعت بريطانيا والاتحاد السوفيتي والصين على ميثاق الأمم المتحدة في المؤتمر الذي عُقد بمدينة سان فرانسيسكو في يونيو/حُزيران عام 1945. وقد انتهت الحرب العالمية لتوها عندما دخل الميثاق حيز التنفيذ. وما زالت دول كثيرة في آسيا وإفريقيا قابعة تحت حكم الدول الاستعمارية في ذلك الحين.
وولدت هيئة الأمم المتحدة بعد مخاض طويل، إذ وافقت 50 دولة على ميثاق الأمم المتحدة الذي بدأ بعبارة "نحن شعوب الأمم المتحدة".
وما سبب هذه الافتتاحية؟ ذُكرت هذه الافتتاحية لأن الأمم المتحدة اتجهت إلى خدمة المصالح الذاتية الضيقة للدول الأعضاء الذي يبلغ عددهم 193 دولة، والدول الأقوى على وجه الخصوص، ولم تعد تكترث بالمواطنين العاديين.
وتقف هذه الأولويات الضيقة كعقبة في سبيل الوفاء بأول التزامين ينص عليهما الميثاق وهما: إنهاء "ويلات الحرب" واستعادة "الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية".
مبادئ حقوق الإنسان
أعلنت الأمم المتحدة في عام 1948 عن البيان العالمي لحقوق الإنسان، وتتضمن هذه الحقوق على الحق في عدم "الاستعباد"، والحق في حرية التعبير والحق في طلب اللجوء إلى البلدان الأخرى هربا من الاضطهاد.
الجمعية العامة
يُلقي رؤساء الدول والحكومات خطباً رنانة ومُبتذلة في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تُعقد كل خريف. كما توصف هذه الخُطب بأنها غير متماسكة وغير مُجدية كالتي ألقاها الرجل الليبي القوي، العقيد مُعمر القذافي في عام 2009.
ويصف المنتقدون هذا الحدث الكبير بأنه مجرد "اجتماع رفيع لإلقاء الخُطب". وتُعد جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حلبة كبيرة يتنافس فيها الرابح والخاسر من أصحاب الدبلوماسية الرمزية.
وتُعرض مئات القرارات على الجمعية العامة سنوياً. وقد تحظى بعض القرارات على قدر كبير من الاهتمام – مثل قرار عام 1975 الذي أقر بإلغاء مساواة الصهيونية بالعنصرية – لكن هذه القرارات غير مُلزمة بشكل قانوني. (فالجمعية مسؤولة عن اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بالميزانية).
ومن حيثُ المبدأ تمتلك كافة الدول الصغيرة أو الكبيرة صوتاً متساوي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكل دولة صوت واحد فقط، لكن السلطة الحقيقية تكمن في مكانٍ آخر.
"سلطة عاجزة"
يتألف مجلس الأمن من 15 عضواً، ويُعد الذراع الأقوى لهيئة الأمم المتحدة. ويُخول لمجلس الأمن فرض العقوبات، كما حدث مع إيران بسبب برنامجها النووي، وإعطاء الإذن بالتدخل العسكري كما حدث مع ليبيا في عام 2011.
ويقول منتقدون إن هيكلية عضوية مجلس الأمن تُعد مفارقة تاريخية، إذ تشغل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية المقاعد الخمس الدائمة، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا. ويُنتخب 10 أعضاء آخرين لمدة سنتين، بالإضافة إلى المقاعد المخصصة لدول مختلفة من العالم.
وأُحبطت الجهود المبذولة لزيادة مقاعد العضوية الدائمة في مجلس الأمن لتسع القوى الناشئة منذ عام 1945 – مثل الهند واليابان وألمانيا. ويحق لكل بلد أن تتنافس في الحصول على مقعد في مجلس الأمن، لكن يسعى منافسيه لمنع ذلك.
يمكن أن يعترض أي عضو من الأعضاء الخمس الدائمين على اتخاذ أي إجراء، رغبةً منهم في حماية مصالحهم أو حلفائهم.
منذ عام 1990، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" على قرارات مجلس الأمن 16 مرة، وكان اعتراضها في الغالب بسبب القرارات التي تخُص العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية.
كما استخدمت روسيا أيضاً حق النقض "الفيتو" 13 مرة حتى الآن، بما فيها أربع مرات بشأن سوريا.
ولا يسمح الميثاق للجمعية العامة باتخاذ أي إجراء ضد أي شيء يهدد السلم والأمن الدوليين في حالة استخدام حق النقض "الفيتو". لكن نادراً ما يحدث ذلك في الحقيقة.
مشاكل حفظ السلام
المهمة الأساسية لمجلس الأمن هي الحفاظ على السلْم الدولي. لكن فُرضت قيود قوية على قدرته على القيام بذلك في السنوات الأخيرة، إذ يرجع معظمها إلى الانقسامات المريرة بين روسيا والغرب. كما أخفق مجلس الأمن في مواجهة الصراعات الكبرى لا سيما التي تتورط فيها الدول دائمة العضوية.
وفي الآونة الأخيرة، أعلن مجلس الأمن فشله الذريع في محاولته لمعالجة الصراع في سوريا القائم بين روسيا الداعمة للرئيس بشار الأسد والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا الداعمين لبعض جماعات المعارضة في سوريا. ولم يفشل مجلس الأمن فقط في وقف القتال في سوريا، لكنه عجز أيضاً عن تأمين وصول المساعدات الغذائية وسلامة العاملين في المجال الطبي.
أيضا تجاهلت كوريا الشمالية، حليفة الصين، الحظر الذي فرضته عليها الأمم المتحدة بسبب تجاربها النووية.
الأمين العام
يتسم ميثاق الأمم المتحدة بالغموض في تحديد واجبات الأمين العام، أكبر مسؤول في الأمم المتحدة. ويُفترض عدم انحيازه لأي بلد معين، لكن مكتبه يعتمد إلى حد كبير على تمويل وحُسن نية الدول الكبرى.
يختار مجلس الأمن -لاسيما الدول الخمس الدائمة- الأمين العام عن طريق الاقتراع السري المُباشر، لشغل المنصب لمدة فترتين بحد أقصى، مدة كل منهما خمس سنوات. هذه العملية تجعل من الصعب على الأمين العام أن يمارس دوره باستقلالية عن نفوذ الدول الخمس الدائمة.
إذا فُرض أن شاغل منصب يتمتع بالاستقلالية، فسيكون في كثير من الأحيان الشخص الوحيد في العالم القادر على استدعاء الأطراف المتناحرة إلى طاولة المفاوضات.
كشفت مدة عمل الأمين العام الحالي، بان كي مون التي استمرت لـ 10 سنوات، عن حدود سلطة مكتبه. فعلى سبيل المثال، أقنعت الدول الكبرى بان كي مون لمدة سنتين على التوالي ألا يَزج
باسمها في قائمة الدول التي تتورط قواتها العسكرية في قتل وتشويه الأطفال.
منذ عام 1946، شغل منصب الأمين العام ثمانية أشخاص جميعهم من الرجال. وسيُجرى اختيار خليفة السيد بان كي مون في خريف هذا العام.
ماذا بعد؟
بغض النظر عمن سيتولى منصب الأمين العام في الأول من يناير/كانون الثاني، إلا انه سيحمل على عاتقه المهمة الصعبة التي تواجها هيئة الأمم المتحدة لإثبات أهمية دور الأمم المتحدة في التصدي للتحديات العالمية التي لم تكن واردة تقبل 70 عاماً.
وفيما يلي بعض الأسئلة التي من شأنها أن تحدد ما إذا كان تأثير منظمة الأمم المتحدة سيضعُف أو يقوى في المستقبل:
■ هل سيتمكن مجلس الأمن من اتخاذ إجراء تصعيدي ضد الدول التي تنتهك القانون الدولي الإنساني؟ وهل ستتمكن الدول الخمس الدائمة من النظر إلى ما هو أبعد من مصالحها الضيقة لإيجاد حولاً فعالة لإنهاء "ويلات الحروب"؟
■ هل يمكن إصلاح عمليات حفظ السلام لتحقيق حماية للمدنيين؟
■ هل يمكن للأمم المتحدة إقناع الدول للتوصل إلى حلول جديدة للتعامل مع الواقع الجديد للهجرة جماعية؟
■ هل يمكن للأمين العام إقناع الدول بتنفيذ وعودهم بشأن الحد من انبعاثات الكربون، ولمساعدة أولئك الذين يعانون من عواقب تغير المناخ؟
■ هل يمكن للأمم المتحدة أن تُحقق المبادئ التي تأسست عليها، لتحقيق السلْم والأمن العالمي؟
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Timesالأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.