كان يرتشف آخر فنجان قهوة، بعد أن أدرك أن الموت قادم لا محالة، كان يقرأ بعض المخطوطات عن قارته المفقودة، تلك القارة التي ظلت آلاف السنين مجرد مخطوطات في المكتبات العالمية الكبرى، أو استنتاجات ودراسات علماء ما بين الاتفاق على وجودها والاختلاف على أنها أسطورة.
كانت فيروز وقتها تغني "وطني صار منفى، خطواتي غطاها الشوك والأعشاب البرية"، لم يكن يمتلك وصية يستطيع أن يكتبها أو يسجل فيها تاريخه وتاريخ عائلته التي حكمت على مدى سنوات طويلة، عاشت فيها في ازدواجيه ما بين قارتهم المفقودة والعالم الخارجي.
فبعد أن اشتد الصراع داخل القارة المفقودة، قرر أن يتنازل عن الحكم، فقد كان حاكماً وجوبياً، وهو ما يعني أن هناك من يدير شؤون القارة غيره، واستطاعت الأسرة الموازية في ظل غيابه الأرضي بعيدا عن القارة المفقودة أن يتولوا الحكم، وعندما جاء الوقت المناسب قرر أن يعطي أوراقه للمعارضة للانقلاب على الحكام الحاليين الذين أشعلوا عالمه ظلماً، وخرجوا للعالم الخارجي ليتبنوا تعميق فكرة الشر، ونشر سيطرتهم وخططهم تمهيدا لاحتلال الأرض.
أطلانتس – أو أتلانتس
القارة المفقودة التي تحدث عنها أفلاطون والتي ملأت حضارتها الكون لم تكن مجرد فكرة أسطورية أو مثالية تبنها أحد الفلاسفة، بل كانت واقعا اختفى من الأرض، بعد أن دمرها شهوة العلم من جراء قنبلة -لم يكتشفها العالم الأرضي حتى الآن- ونجا من نجا وخرج للأرض وعاش فيها من خرج، ونجح علماؤها في الهروب إلى أحد الأبعاد القريبة.
ولغة الأبعاد التي برع فيها الأطلنطيون -أو ما أطلق عليها السفر عبر الزمن- استطاعوا من خلالها أن يبنوا عالمهم في بعد له بوابات زمنية بمعادلات رياضية وكهربائية ومغناطيسية يستطيعون من خلالها الدخول والخروج للعالم الأرضي أو الخارجي، ولكن وفق أوقات زمنية محددة تتوافق مع جغرافية الكون والأفلاك والمعادلات.
وأصبح هناك عالم لأطلنطا في الداخل، وفي الخارج أيضاً، منهم من هرب من جحيم القارة المفقودة وعاش على الأرض، ولأنهم كانوا شديدي الشبه بأوربا وروسيا تحديدا، فكان من السهل أن يندمجوا بما يحملوه من علم وتقنيات ومصادر طبيعية كان وقتها "الذهب" الذي باعوه واستخدموه في التعايش والاندماج، وتزوجوا وأنجبوا وتاهت معالمهم حتى اليوم.
ينقسم عالم أتلانتس إلى فئتين.. وهما أطلنطا ولانتس، الأول كان منهم فئة العلماء والأطباء والشعراء والفنانين وخبراء عالم التجميد، والتجميد هو صورة أقرب للتحنيط الذي أتقنه الفراعنة بعد ذلك، التجميد ممكن أن يطول الأحياء المصابين بأمراض مزمنة ويظلوا هكذا حتى يجد الطب علاجاً ودواء لعودتهم لممارسة الحياة، وهي أقرب ما تكون في عالمنا إلى الموت الإكلينيكي وممكن أن يظل عشرات السنين في حالة التجميد.
وكانت لانتس الفئة الثانية، هي القوة العسكرية، ولأن قارة أطلنطا قامت على العلم تركت الجناح العسكري لأسرة موازية للأسرة الحاكمة، ليسوا حكاماً ووفقاً لقوانين أطلنطا يتوارث الحكم في أطلنطا ولا يحق أن تحصل لانتس على الحكم إلا بعد انتهاء سلالة أطلنطا.
ومن هنا ظل الصراع بين الفئتين قائماً حتى دمرت القارة وانتقلت للبعد الذي تحدثنا عنه، وظل الحكم في أطلنطا يتوارث ويخرجون للعالم الخارجي ويدخلون مع أوقات فتح وإغلاق البعد.
وأخذت شكل التعاملات تبادل مواد خام بخرائط وكتالوجات أسلحة، واستطاع أبناء لانتس -الجزء العسكري من القارة المفقودة- أن يبنوا قوة عسكرية ولوبي تحكم في العالم الخارجي، ويمارس دوراً كبيراً في تغيير سياسات العالم الخارجي.
وظلت فكرة احتلال الأرض تسيطر على الجانب العسكري، غير أنه لم يكن يملك الخطوات التي تؤهله للاحتلال، فلم يكونوا الحكام الفعليين، أو قادرين على تنفيذه، خاصة والجانب الحاكم في أطلنطا كان أكثر ما يميزه هو رفض فكرة احتلال الأرض، وأن تظل الأرض تدار وفقا لمنظومة العالم، بل على العكس كانوا يساهمون بشكل أو بآخر في إعمار الأرض ومد العالم الأرضي بالكثير من المشروعات والآليات والأبحاث والمشاركة في حل العديد من المعضلات وغيره.
ظل الصراع داخل القارة المفقودة متمثلا في قوى الشر والتي مثلتها لانتس، والتي فرطت في الكثير من المشروعات العلمية والعسكرية التي تسبق الأرض فيها بمئات السنين، وهو ما يرصد حالة الدمار التي طالت الأرض، وانتشار السلاح والحروب على مدى سنوات طويلة.
وكانت لانتس تجهز لأكبر مشروع عسكري عبارة عن تقينات من شرائح إلكترونية يستطيعون من خلاله السيطرة على العالم الأرضي وقطعوا في هذا المشروع شوطا كبيرا، وسخروا فيه كل ما يملكون من علماء وعسكريين ودول أرضية قادرة على التصنيع، كل هذا دون علم الأسرة الحاكمة، أو الحكام الأصليين للقارة المفقودة.
ولأن قوانين القارة المفقودة كانت تستلزم أن تطلع الأسرة الحاكمة على كل المشاريع العسكرية، ولأن الأسرة الحاكمة كانت قد بدأت تدخل في مأزق كبير بعد أن وصلت إلى آخر حاكم في سلالة الحكام ولأنهم أيضا كانوا بعيدين عن فكرة الزواج لانشغال العلماء بالعلم، ولأنهم لم يعد أمامهم حل سوى تسليم الحكم للفئة العسكرية بالقارة، فكرت الأسرة الحاكمة أن تستنسخ نسخة أرضية من جيناتها تسلمها الحكم حتى لا يخرج من سلالة أطلنطا وينتقل إلى لانتس.
وفعلا بدأ علماء أطلنطا من الأسرة الحاكمة في تنفيذ المخطط واستنساخ أول ولد وبنت من جينات الأسرة الحاكمة ومن سلالة العائلة، وهي مشاريع علمية كانت بالنسبة لهم غير معقدة، في الوقت الذي كان علماء الأرض يعتبرون هذا المشروع حدثا علميا غير مسبوق.
وأصبح من حق حكام أطلنطا أن يستمروا في الحكم، إلا أن الجانب العسكري الموازي كان يرى أن المستنسخين نصف أطلنطيين لأنهم ولدوا ونشأوا في الأرض، فلا يحق لهم الحكم إلا وجوبا، بمعني أن يكونوا حكاما فقط بالاسم وتتولى الأسرة الموازية الحكم.
صراع طويل بين آخر حاكم أطلنطي وبين الأسرة الموازية، بعد أن نجحت الأسرة الحاكمة في اكتشاف المشروع العسكري الكبير الذي كان يجهزه الجانب الموازي لاحتلال الأرض ونجحوا أيضا في سرقته، وتم إخفاء المشروع الذي أسقط فكرة احتلال الأرض تماما، ومن هنا كان الصراع في البحث عن المشروع، وعن الحاكم الوجوبي المستنسخ لأطلنطا والذي يعيش على الأرض بعيدا عن كل العيون.
الحقيقة لم يكن الصراع سهلا، فقد استعانت لانتس بكل المنظمات الأرضية والعصابات والدول للوصول إلى الحاكم الوجوبي، ومسحت الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، بحثا عن المشروع الذي تم سرقته، وحتى اليوم لا يزال حاكم أطنطا الأصلي ذو النصف الأرضي والنصف الآخر أطلنطي مختبئاً بعيداً عن العيون ينتظر اللحظة المناسبة للعودة لحكم القارة المفقودة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.