أخبرني أحد الأصدقاء أنه اضطر لطلب موعد عند طبيب نفسي، وذلك بعد أن قضى ثلاثة أشهر وهو يقرأ قرابة العشر جرائد يومياً، كلمة بكلمة، وذلك في إطار دراسة قام بها حول الخطاب الذي تتداوله هذه الصحف. حسبه، ما وجده من خطاب عنف وكراهية في هذه الصحف فاق كل تصوراته.
فحتى الصحف الرياضية كانت تعنون بالخط العريض كيف أن الرياضي الفلاني شتم الرياضي العلاني، وكيف أن اللاعب الفلاني اعتدى في غرفة تغيير الملابس على اللاعب العلاني.
أذا عرفنا أن معظم قراء هذه الجرائد الرياضية هم شباب ومراهقون، وكيف أنهم يعتبرون هؤلاء الرياضيين الذين تتحدث عنهم الصحف قدوة لهم، وبالتالي سيميلون لتقليدهم في اللباس وقصات الشعر والسلوك، فلنا أن نتصور النتائج.
سواء تعلق الأمر بالصحافة المكتوبة أو المرئية، الوطنية أوالدولية، فان صور العنف والدماء وأخبار قتل الأطفال والاعتداء على النساء أصبحت أكثر قرباً من المواطن وقربت معها العنف الذي تتداوله وجعلته متقبلاً، وأفقدتنا حتى إحساس التعاطف مع ضحاياه.
من جهتها وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وإضافة لكونها ساهمت بتشجيع حرية التعبير فكانت منبر من لا منبر له، ألا أنها كانت أيضاً بوقاً نفخ فيه المتطرفون لنشر والترويج لخطاب العنف والكراهية ضد الأفراد أو المجموعات التي تخالفهم الرأي أو الانتماء. وتم استخدامها لشحن مجموعات ضد أخرى بإثارة الغرائز الدينية والإثنية وبنشر معلومات مغلوطة وشائعات لتأجيج مشاعر الكراهية.
غالباً ما يبقى هذا العنف المعبر عنه حبيس مواقع التواصل الاجتماعي، الشيء الذي لا قلل من خطورته، لكن في أحيان أخرى يحدث وأن يتحول إلى عنف جسدي. وما عرفته منطقة غرداية من أحداث في العام الماضي، والذي راح ضحيته 22 شخصاً وخلف عشرات المصابين، وإن كانت أسبابه عديدة، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تأجيجه، وهو مثال عن تحول هذا الخطاب من القول إلى الفعل.
الخطير في الموضوع هو أنه سواء تعلق الأمر بمواطنَيْنِ بسيطين يتناقشان حول موضوع يختلفان فيه الرأي، أو حتى يكفيهما أن يكونا من مجموعتين مختلفتين، يعلقان على موضوع ما على شبكات التواصل الاجتماعي، أو خصمين سياسيين في حوار تلفزيوني فالأسلوب غالباً ما يكون نفسه، فنادراً ما يكون النقاش ودياً يسوده الاحترام المتبادل رغم الاختلاف، بل كل فريق يدعي امتلاك واحتكار الحقيقة المطلقة ويزدري الآخر ويتهجم عليه وعلى أفكاره.
غالباً ما نبرر هذا العنف الذي نعيشه والذي نعبر عنه في مجتمعنا بما عشناه سواء أثناء العشرية السوداء من عنف وقبلها أثناء الحقبة الاستعمارية، حتى ولو لم يكن هذا خطأ، لكن أليس هذا تقاعسا منا في تحديد المسؤوليات وإيجاد الحلول وأليس حرياً بنا اليوم الالتفاف من إعلام، سياسيين، باحثين، مجتمع مدني، رجال الدين والدولة من أجل دراسة هذه الظاهرة وتحديد مسبباتها وإيجاد سبل محاربة العنف وخطاب الكراهية ودعم ثقافة التسامح والحوار بمجتمعنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.