"1"
كنت حديث عهد بتخصص الأشعة التشخيصية حين وقف صديق لنا أثناء مناقشة أحد مشروعات دبلومة الجودة التي كنت بصدد دراستها وقتئذ، وقف طبيب الأنف والأذن يمدح في رجل لم أسمع عنه من قبل، أسهب في الثناء على الرجل وعلمه، وصفه بعظيم الكلمات، انتابني وقتها شعور بالطمأنينة وفرحة عارمة، خصوصاً أني وقتها كنت في حالة تشتت من أمري وكنت أنتوي تغيير التخصص، شعرت وقتها أن رسالة من الله لي بأن أكمل الطريق.
"2"
انت عايز إيه من الدنيا؟ وايه هدفك؟
اللي ما يجاوبش، معنى كده إنه ما عندوش هدف واللي بيفكر برضه بيبقى ما عندوش هدف واضح في ذهنه.
أ.د: ممدوح محفوظ
"3"
بدأت التخصص وكنت أعلم أن كل شيء يكون صعبا في البدايات، لكن ما كنت أجهله تماماً أن تخصص الأشعة صعوبته تفوق صعوبة كل البدايات؛ لذلك كنت دائماً أطلب النصيحة ممن لهم الخبرة في ذات التخصص، فكانت الإجابة التي تلقى على مسامعي واحدة مع اختلاف الأشخاص: عليك وعلى محاضرات ممدوح محفوظ.
"4"
وجود الهدف بيخلي مفيش وقت عندك، بيخليك تستخسر أي ثانية تضيعها في الهوا، بيخلي عندك حاجة شغال عليها باستمرار وعايز تكبرها.
أ.د: ممدوح محفوظ
"5"
ممدوح محفوظ!
ممدوح محفوظ!
لا أبالغ حين أقول إني كنت وما زلت أسمع اسم الدكتور ممدوح محفوظ عشرات المرات يومياً متبوعاً دائماً بدعوات الكثيرين له، مرت الأيام تلو الأيام ولا أنسى يوماً حلقة نقاش لي مع كثير من أطباء قسم الأشعة، عقدنا فيها مقارنة بين الرجل وبين طبيب آخر طيب الذكر في نفس ذات التخصص، لكنه رائد التخصص من الناحية التجارية، كنا نتحدث عن مدى تأثير كليهما في المجتمع، لا أخفي عليكم أني كنت ممن يرون أن العلامة التجارية أشد تأثيراً ممن يحملون مشاعل العلم في مجتمع لا يقدر العلم ولا يحترم إلا سطوة المال، لكن مع مرور الأيام صرت مؤمناً شديد الإيمان بأن العلم وأهله هم الباقون، وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، مع احترامنا الكامل لأصحاب العلامات التجارية في تخصص الأشعة.
"6"
أمرُّ بشاطئ "البحرْينِ" في "ليبيا"
وأجني التمرَ من "بغدادَ" في "سوريا"
وأعبرُ من "موريتانيا" إلى "السودان"
أسافرُ عبْرَ "مقديشو" إلى "لبنان"
……
أنا العربيُّ، في "بغدادَ" لي نخلٌ، وفي "السودان" شرياني
أنا مِصري "موريتانيا" و"جيبوتي" و"عَمَّانِ"
الشاعر هشام الجخ
"7"
لماذا ناظر مدرسة الأشعة؟
حين قررت أن أنجز هذا المقال عن العالم الجليل ذي المكانة العالية في قلوب كل أطباء الوطن العربي، جال بخاطري لقب واحد لم يغادر عقلي منذ قررت الكتابة، ألا وهو "الناظر"، اخترت هذا اللقب لما أحمله من حب وتقدير لناظر مدرستي الابتدائية، ودوره المحوري في حياتي وحياة الآخرين، صورة الناظر في ذهني مرتبطة بشخص له ملاحة وجه، وابتسامة ثغر آسرة، شخص حسن الهندام، منظم ومرتب الأفكار، شخص نشيط تجده أول من يحضر إلى المدرسة وآخر من ينصرف، يحضر طابور الصباح، يخافه الطلاب دون غلظة منه، يحترمه ويقدره العاملون رغم صرامته في العمل، ناظر المدرسة الذي يهتم بنظافة الطلاب ويحسهم على قص الأظافر، ناظر المدرسة الذي يسد عجز الحصص في حالة غياب أحد المدرسين، ناظر المدرسة الذي كان يزرع فينا الأخلاق والمثل، والذي كان قبل أن يقص علينا أن "النظافة من الإيمان" يكون نظيفاً متأنقاً، ناظر المدرسة الذي تركض في اتجاهه مخافة من أبيك وليس العكس، والذي تستذكر دروسك من أجل أن ترى الفرحة في عينيه، ولأن ناظر مدرستي هو من أحببت لأجله العلم في البدايات، أردت أن يكون لأستاذي العظيم نفس المكانة عندي لما له عليّ وعلى غيري من فضل في حب الأشعة وتعلمها في البدايات، بل وفي النهايات أيضاً.
"8"
الإنسان محتاج يكون عنده هدف يشتغل عليه عشان يكون عنده سلام مع نفسه، وبالتالي سلام مع الآخرين، ثم بعد كده يكون ليه بصمة في الدنيا.
أ.د: ممدوح محفوظ
"9"
لمن لا يعرف من هو ممدوح محفوظ، هو أستاذ الأشعة التشخيصية بمستشفى قصر العيني، جامعة القاهرة، ومستشار سابق لوزير الصحة، رجل حمل أمانة العلم، فكان خير مؤتمن، جاب ويجوب الوطن العربي شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً لنشر علم الأشعة التشخيصية لجموع الأطباء، كانت الأشعة قبله عبارة عن طلاسم وشيفرات، فك هو رموز حجر رشيدها، رجل سخره الله ليكون له فضل على كل من أمسك بيده فيلماً للأشعة، وعلى كل من أفتى وأدلى بدلوه في بئر الأشعة العميقة.
"10"
حين تجلس في محاضرة وتجد عن يمينك طالباً من اليمن وعن يسارك صديقاً من بنغازي، حين تجلس لتستمتع بما يقوله، فتجد صوتاً مقاطعاً، يسأل الأستاذ سؤالاً بلكنة فلسطينية، وآخر بلكنة عراقية، حين يجتمع رجل من كردستان العراق مع رجل من بغداد وآخر من الموصل في حلقة علم له، فاعلم أنك في حضرة رجل ألّف بين قلوب فرقها أهل السياسة، في حضرة رجل له في بغداد نخل يجني تمره في سوريا.
"11"
سألته الزميلة هدى عبد الرب من اليمن عن أحلك لحظات حياته ظلمة ويأساً؟
فأجاب بهدوئه المعهود: الحمد لله لم يغلبني اليأس للدرجة اللي بقيت فيها كاره الحياة، ثم حكى أنه حين كان نائباً صغيراً في قسم الأشعة، ولطلب منه أن لا يدخل امتحان الماجستير، وبعد إلحاحه، قيل له: ادخل وورينا هتعمل إيه؟
يقول: الحمد لله نجحت وطلعت المركز الأول؟ لتأتي الصدمة بعد ذلك، فأعرف أن القسم أوقف التعيينات.
ثم أردف قائلاً:
وجدت نفسي في الشارع، ففكرت أسافر برّة وأكمل دكتوراه وزمالة من هناك، فعديت على سفارة السعودية، سألوني كام سؤال حقير كده وأخدوا ورقي، وأنا مروح، سواق التاكسي دخل من شوارع جانبية لقيت نفسي قدام سفارة الكويت، نزلت ودخلت لقيت لجنة جوّه عايزين دكاترة أشعة يسافروا، دخلت المقابلة، ومضيت العقد قبل ما أخرج من السفارة، سافرت الكويت قعدت هناك 6 شهور، عملت فيهم مبلغ كويس، وأنا هناك عرفت إن القسم عين الدكتور اللي بعدي على أساس إني سافرت ومش هعرف، لما عرفت رجعت وطبعا اتعينت، وقتها ما كنتش متخيل إن ربنا كان بعت لي منحة وليست محنة؛ لأن اللي 6 شهور دول وقفوني على رجلي مادياً، ورجعت وبفضل الله كملت وأخدت الدكتوراه وسبقت ناس كتير اتعينت قبلي.
"12"
في لحظات أمسى ربيع الأمة خريفاً، واستوطن اليأس في كثير من قلوب الشباب، بحثنا عن ورق الزيتون المتشبث بغصنه أمام الريح العاتية، فوجدنا أوراقك وثمرك الطيب يسد جوعنا، فتشنا عن رجال يكونون مبعثاً للأمل فوجدناك أمة للأمل وزاداً له.
"13"
اللي بيعمل البصمة ويخليك تخرج من الدنيا وانت سايب أثر هو إنك تساعد الآخرين، بغض النظر عن الآخرين دول مين همّا، وبنفس الوقت ما تكنش منتظر منهم رد.
أ.د: ممدوح محفوظ
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.