جودة التعليم في الوطن العربي

ويبقى التحدي في أن تكون عملية تطوير وتحسين التعليم وطنية وحقيقية ومنهجية بعيداً عن أسلوب النسخ واللصق السطحي المستورد الذي لا يحقق الأهداف المرجوة، ويبقى التحدي الأكبر أن تتحول عملية تجويد التعليم من مجرد فكرة وثقافة منقولة من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان إلى ممارسة واقعية وأسلوب عمل يعكس توقعات عالية لأبنائنا وبناتنا، وطموحاً يعكس إيماننا بقدرة الإنسان العربي على أن يكون له دور ومكان أفضل في مصاف الدول.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/17 الساعة 05:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/17 الساعة 05:20 بتوقيت غرينتش

دعونا نبدأ من النهاية فقد كشف مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس لعام 2015 – 2016م في 30 سبتمبر/أيلول 2015 أن أغلب الدول العربية تحتل أسفل القائمة في ترتيب وتقويم جودة التعليم، وقد استند الترتيب إلى دراسة وتقويم 12 فئة أساسية، تضم: "المؤسسات، والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتطوير سوق المال، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق، وتطور الأعمال والابتكار".

وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية مثل قطر والإمارات احتلت مراكز متقدمة فقد جاءت قطر في المركز الرابع والإمارات في المركز العاشر، وجاءت دول أخرى مثل المملكة العربية السعودية في المركز 54 بين 140 دولة، إلا أن هناك دولاً عربية مثل مصر جاءت في ذيل القائمة باحتلالها المركز 139 وهو المركز قبل الأخير في محور جودة التعليم الأساسي فيما حصلت على المركز 111 في جودة التعليم العالي والتدريب، في حين حصلت قطر على المركز 27 عالمياً، والأولى عربياً أيضاً في محور التعليم العالي والتدريب.

قد نرجع هذه النتيجة لقدرة الدول الاقتصادية على دعم التعليم، ومع ذلك فمسألة جودة التعليم أكثر تعقيداً مما تظهره التقويمات والترتيبات التي تظهر تقدم بعض الدول وتأخر بعضها، كما أن الصرف والمبالغ المالية وحدها لا يمكن أن تضمن الجودة الشاملة في العملية التعليمية ومخرجاتها، فعلى الرغم من التقدم الذي حققته دولة قطر فإن جودة التعليم ومخرجاته تظل هدفاً متحركاً، فعلى الرغم من الإنفاق الكبير على التعليم فإن 40% من الطلاب في المراحل الابتدائية في قطر لم يحققوا النتائج المطلوبة في الرياضيات فضلاً عن القراءة والكتابة اعتماداً على ما ذكره السيد حافظ غانم، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط أثناء كلمته في المؤتمر الذي نظمه منتدى البحوث الاقتصادية في مارس/آذار 2016.

أما بالنسبة للدول العربية الأخرى والأكثر فقراً فغياب البنية التحتية الأساسية وكفاءة المعلمين وفي كثير من الأوقات حتى توفر الكتاب المدرسي والبيئة المدرسية المناسبة، ما زالت من أكبر العوائق للعملية التعليمية التي تجعل الحديث عن الجودة شيئاً من الترف.

تجارب دول عربية في تجويد التعليم

قطر

منذ وقت مبكر نسبياً التفتت دولة قطر إلى أهمية تطوير وإصلاح منظومة التعليم وعكس ذلك استعدادها غير العادي للاستثمار في عملية الإصلاح، وساعدها على ذلك حجم المنظومة المتمثلة في عدد الطلاب الذي لا يتجاوز 300 ألف طالب.

وعلى الرغم من التحديات المختلفة التي يواجهها التعليم في قطر فإنه من الإنصاف الاعتراف بخطوات قطر في طريق جعل العملية التعليمية خاضعة للتقويم والتغيير المستمر الذي يضمن تحسين التعليم والتأثير عليه، تواجه قطر تحديات خاصة كدولة صغيرة، لكنها تمتلك الآليات والإرادة لتواصل قيادتها عملية التغيير والتطوير التي تحتاجها قطر لمواصلة تقدمها في مجال توفير تعليم أفضل لطلاب قطر.

تونس

تعتبر تونس من الدول التي قطعت شوطاً لا بأس به في تحسين أنظمتها التعليمية، حيث ينعكس ذلك على العلاقات بين مؤسساتها التعليمية والمؤسسات التعليمية في دول اتحاد أوروبا من خلال التبادل المكثف للموارد البشرية والكفاءات العلمية، الذي يعود للقرب الجغرافي والتناغم بين الأنظمة التعليمية، إلا أن تونس ومن خلال المشروع المطروح أخيراً لتطوير التعليم ما زالت بحاجة إلى مواصلة العمل على عدة محاور كالتقويم وتوسيع استعمال التكنولوجيا لتطوير وتحسين مستوى وجودة التعليم ومخرجاته في البلاد.

المملكة العربية السعودية

تنفق المملكة العربية السعودية سنوياً ما يعادل 56 مليار دولار من موازنتها العامة على التعليم وهنالك حالياً الكثير من المبادرات المهمة والجادة التي تنطلق في عدد من الاتجاهات المرتبطة بتحسين وتطوير التعليم، مثل تطوير المناهج والمعلمين ومراجعة الجودة في المدارس ومبادرات أخرى، وتأتي كل هذه المبادرات لتعكس إدراك حكومة المملكة العربية السعودية لحاجتها إلى تصحيح وتطوير وضع التعليم في البلاد، وأنها يجب أن تحقق ذلك على أصعدة مختلفة ابتداء من البيئة المدرسية وتدرجاً إلى إعداد المعلمين وتقويم العملية التعليمية بشكل دوري وشامل.

وقد كان واضحاً خلال مؤتمر تقويم التعليم العام الذي عقد في 4 – 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2015م في الرياض أن هذه البرامج ما زالت في مراحل الإعداد، وبعضها في مراحل التجريب، وبالتالي فإن تطبيق مفهوم الإصلاح والتطوير الشامل ما زال بعيداً عن المدارس في المملكة العربية السعودية، بل يمكننا أن نتوقع أن تعترض هذه البرامج الكثير من العراقيل، لعل أبرزها هو تأهيل واستعداد القيادات التعليمية والجهاز التعليمي للتغيير والعمل ضمن منظومة مساءلة تحمل كل عنصر مسؤولية تعليم ونجاح كل طالب في المدارس السعودية.

مصر

التفتت دولة مصر إلى أهمية تجويد التعليم، وأنشأت الهيئة القومية المصرية لضمان جودة التعليم والاعتماد، لتكون هي المسؤولة عن تقديم كل أشكال التوجيه والإرشاد لدعم خطط المؤسسات في تحسين جودة عملياتها ومخرجاتها التعليمية من خلال آليات وأدوات تقويم ذاتي يمهد للحصول على الاعتماد المؤسسي المطلوب، وتظل هذه الخطوة من الخطوات القليلة التي تم اتخاذها لتطوير وإصلاح التعليم في مصر.

ونحن نسلط الضوء على التعليم في مصر لا بد من إدراك حجم التحدي الذي تواجهه دول مثل مصر واليمن، إذ إن طلابها يساوون التعداد السكاني لدول المنطقة، ففي مصر يبلغ عدد المدارس نحو 50 ألف مدرسة، كما يبلغ عدد الطلاب نحو 18 مليون طالب في التعليم قبل الجامعي، وكلها تعمل ضمن نظام مركزي، وبالتالي فإن أي محاولة إصلاح ستعترضها الكثير من العراقيل والتحديات، سيما أن الوضع الاقتصادي للبلاد لا يسمح بالاستثمار في دعم مجال التعليم لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

تحديات تجويد التعليم في الوطن العربي

يتضح لنا من خلال ما استعرضناه من تجارب الدول المذكورة، وبعضها يعتبر الأكثر استقراراً أمنياً وسياسياً، أن عملية تجويد التعليم لن تكون منفصلة عن رؤية وطنية وقومية في أي دولة، بل يجب أن تعتبرها الحكومات من أدوات تحقيق أي رؤية طموحة تهدف إلى تحقيق أي بناء وتقدم تنموي في أي بلد.

في الوقت الذي ندرك فيه ذلك ربما ندرك أن موضوع تجويد التعليم قد يكون اليوم بعيداً جداً عن اهتمامات دول مثل العراق واليمن وسوريا، حيث إن الحروب والمتحاربين يقفون عائقاً أمام مظاهر الحياة الطبيعية، وحيث صراع البقاء يطغى على صراعات التنمية والتقدم والتطوير، لكن في الدول التي تضع الرؤية الوطنية الواضحة والطموحة لمجتمع أفضل وأسعد، سيصبح التعليم محل اهتمام ورعاية، ويصبح موضوع تجويد التعليم ضرورة لا مناص منها.

ويبقى التحدي في أن تكون عملية تطوير وتحسين التعليم وطنية وحقيقية ومنهجية بعيداً عن أسلوب النسخ واللصق السطحي المستورد الذي لا يحقق الأهداف المرجوة، ويبقى التحدي الأكبر أن تتحول عملية تجويد التعليم من مجرد فكرة وثقافة منقولة من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان إلى ممارسة واقعية وأسلوب عمل يعكس توقعات عالية لأبنائنا وبناتنا، وطموحاً يعكس إيماننا بقدرة الإنسان العربي على أن يكون له دور ومكان أفضل في مصاف الدول.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد