حينما أدركت النيوزيلندية كاثرين هيب سن الزواج وإنجاب الأطفال، استصدرت وثيقة تأمين وتقدمت بطلب كي يتبرع لها أحد بحيواناته المنوية.
وقالت: "منذ أن كنت في العاشرة، كنت أنتظر إنجاب طفل حينما أكبر، كنت أريد أن أصبح أماً، ولكن فكرة الذهاب إلى الطبيب من أجل ذلك لم تخطر ببالي".
قامت هيب بالحجز بإحدى العيادات الطبية من خلال تشجيع الأسرة والأصدقاء، ولكنها لم تكن تدرك أن قائمة الانتظار الحالية قد تصل إلى عامين.
وتابعت، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الخميس 15 سبتمبر/أيلول 2016: "لم أكن أعلم أن هناك نقصاً، كانت مفاجأة بالنسبة لي، ولكن الأمر كان خارج نطاق سيطرتي، ولذا حاولت أن تستمر حياتي خلال فترة الانتظار، وظللت أتواعد على أمل أن أنجب طفلاً بالطريقة التقليدية"، حسب تعبيرها.
أسباب الأزمة
تعاني نيوزيلندا من نقص شديد في الحيوانات المنوية، حيث يذكر أطباء الخصوبة أن قوائم الانتظار الطويلة تمثل ضغطاً هائلاً على طالبات الإنجاب.
وذكرت إخصائية الخصوبة الدكتورة ميري بيردسال: "نسمع عن سفر النساء النيوزيلنديات إلى الخارج من أجل ما يوصف بالسياحة الإنجابية".
وأضافت: "إنه موقف يمثل تحدياً هائلاً، فمن الصعب الحصول على ما يعرف بالـ"متبرعين"، وهو أمر عسير على النساء اللاتي يعانين نفسياً وبدنياً من أجل تكوين أسرة، ولكني لا أستطيع ذلك".
ففي عام 2004، استحدثت الحكومة النيوزيلندية تشريعاً جديداً يحظر التبرع بالحيوانات المنوية من أشخاص مجهولين، ويحول دون حصول المتبرعين على أي مقابل مادي.
يتكبد المتبرعون في نيوزيلندا تكاليف ضئيلة (مثل نفقات الوصول إلى العيادة الطبية)، ومع ذلك، لا يتم تعويضهم على الوقت الطويل المهدر في إجراء الاختبارات والفحوصات الطبية.
وبموجب القانون الجديد، لا بد أن يوافق المتبرع أيضاً على الكشف عن هويته، حينما يصل سن ابنه إلى 18 عاماً.
ارتفاع في الطلب
وتزامن تراجع عمليات التبرع بالحيوانات المنوية في أعقاب استحداث القانون مع الارتفاع الهائل في حجم الطلب على الحيوانات المنوية فيما بين النساء غير المتزوجات أو المثليات.
وذكر الدكتور جون بيك، مدير عام مؤسسة فيرتيليتي أسوشيتس للخصوبة، إنه عادة ما يكون هناك حيوانات مئوية تكفي لحل مشكلات نحو 80 أسرة، ولكن عدد المتقدمين بطلبات الحصول على الحيوانات المنوية يماثل 4 أضعاف ذلك العدد.
وأضاف بيك: "تعاني نيوزيلندا من نقص هائل في المتبرعين منذ عهد طويل، أعتقد أنها أصبحت حالة جفاف مستمرة، فقد أصبح ذلك هو المعتاد كما حال تغير المناخ".
متزوجات
وتقول فيونا ماكدونالد استشارية الخصوبة في أوكلاند إن قائمة الانتظار المطولة تمثل ضغوطاً إضافية على نساء نيوزيلندا، في مرحلة مثيرة وإيجابية من حياتهن، حسب تعبيرها .
وأضافت: "يصعب على النساء تحمل مرور الشهر تلو الآخر؛ حيث يشعرن به كما لو كان دهراً".
وتابعت: "ربما تكون المرأة في سن الأربعين وعنصر الوقت حيوي، ربما أن فترة 6 شهور قد تحدث الفارق بين الإنجاب من عدمه".
ففي عام 2015، عالجت عيادة فيرتيليتي أسوشيتس 300 امرأة من خلال الحيوانات المنوية التي يتم التبرع بها، وكان 35% من بينهن كان أزواجهن الطبيعيون يعانون من مشكلة العقم، و25% من المثليات و40% من النساء غير المتزوجات.
وذكر ماكدونالد أن النساء الوحيدات يمثلن حالياً الفئة الأكبر التي تسعى وراء الحصول على الحيوانات المئوية المتبرع بها، وتتمثل الخطوة الأولى خلال تلك الرحلة في الحصول على الاستشارة الطبية.
وأضاف ماكدونالد: "تشعر بعض النساء بالخزي جراء سلوك هذا الطريق كي يصبحن أمهات. تتمثل إحدى أولى الخطوات في الشعور بالحزن البالغ؛ لأن الحياة لم تحقق لهن آمالهن، فلم يجدن شريكاً ويتعين عليهن القيام برحلة ما كي يصبحن أمهات".
الاستيراد هو الحل
وذكر الدكتور جاي جوديكس، المدير الطبي لعيادة ريبروميد، أن عيادته تحتاج إلى دراسة استيراد حيوانات منوية أجنبية بجدية.
وخلال بقاء هيب على قائمة انتظار ريبروميد، نصحها الأطباء بمطالبة أصدقائها من الرجال بالتبرع من أجلها، دون جدوى.
وبحثت هيب أيضاً بالمواقع الإلكترونية النيوزيلندية للحصول على الحيوانات المنوية، ولكنها أخفقت في ذلك.
وقالت: "ليسوا محترفين، وربما أنهم محتالون، فهناك رجال يقولون: سأقدم المساعدة، ولكن لا بد أن تكون بالطريقة التقليدية، هذا ليس تبرعاً، ولكنه ممارسة للجنس"، حسب قولها.
وفي عام 2015، نصحت اللجنة الاستشارية للتكنولوجيا الإنجابية المساعدة حكومة نيوزيلندا بضرورة السماح بدخول الحيوانات المنوية الأجنبية إلى نيوزيلندا وإخضاعها لنفس القواعد السارية على المتبرعين المحليين.
وتسمح بلدان مثل أستراليا وإنجلترا باستيراد الحيوانات المنوية الأجنبية، ويتزايد حجم الطلب من النساء في نيوزيلندا على ضرورة أن تقوم البلاد بنفس الأمر.
وجد تقرير اللجنة الاستشارية للتكنولوجيا الإنجابية المساعدة أن العديد من النساء في نيوزيلندا يسافرن إلى الخارج من أجل شراء الحيوانات المنوية، ولكن الوقت والتكلفة وتشريعات الانتقال بين الدول تجعله خياراً غير متاح أمام الجميع.
تم تقديم التقدير إلى وزير الصحة النيوزيلندي في أوائل عام 2015 بهذا الشأن، وذكر الناطق باسم الوزارة أنه من المتوقع أن يقيّم الوزير التقرير بنهاية عام 2016.
وذكر بيك أن عيادته لا تستطيع فحص الخيارات الخارجية لحين صدور قرار الوزير بشأن قانون الاستيراد والتصدير، ولكنه يصعب رفض طلبات النساء البائسات.
وتدعو هيب، التي كانت تبحث عن متبرع، نيوزيلندا إلى السماح باستيراد الحيوانات المنوية الأجنبية، ولكنها تقول إنه يتعين على رجال بلادها أن يكونوا أكثر وعياً بعملية التبرع أولاً، وأن يتم تعويضهم عن الوقت الذي يضيعونه في حالة التبرع، حسب تعبيرها.
وبعد انتظار لمدة عام، حصلت هيب على خيار بين اثنين من المتبرعين، انجذبت لأحدهما لأنه كان أكثر انفتاحاً لإمكانية الاتصال به قبل بلوع الطفل سن الثامنة عشرة.
وفي محاولتها الأولى في وقت سابق من عام 2016، أصبحت هيب حاملاً، وتذكر أنها تشعر "بالتعب ولكنها سعيدة"، وقد تكلفت حتى الآن 14 ألف دولار نيوزيلندي.
وذكرت هيب: "نصحني البعض بقضاء ليلة مع أي شخص بعدما علموا بأمر قائمة الانتظار"، حسب قولها.
واختتمت قائلة: "ولكني لا أريد أن تصبح قصة مولد ابني على هذه الصورة، حينما يصل إلى الحياة، أريده أن يعلم أنه جاء بأفضل السبل الممكنة"، حسب تعبيرها.
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Guardian البريطانية، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.