01 | إسلامُ الفِطرة.. ولاَإسلامُ الفِطرة!
على مقعدٍ خشبي لِشِبهِ حديقةٍ في حَيِّنَا، سألتُ صديقي: ما الفرق بيني أنا المولود في بيئة إسلامية، أمارس تعاليم الإسلام دون وعيٍ مني لمقاصدها الحقيقة، تمامًا كأي عادة أخرى، كأي طقس آخر، أصلي خمس صلوات في اليوم والليلة عندما أسمع الآذان، أصوم عندما يقبل رمضان، أزكي عندما يبلغ مالي النصاب، أحج البيت عندما أستطيع إلى ذلك سبيلاً، وأفعل كل ذلك عندما أبلغ سن الرشد.
وبين شخص آخر مولود في بيئة غير إسلامية، أو ربما لادينية أصلًا، وهو يمارس طقوسًا أخرى مثلي .. دون وعيٍ منه، فقط لأنه وَجَدَ أباءه يقومون بذلك ورُبِيَّ على ذلك.
ما الفرق بيني أنا المُسلِم بالفطرة، وغيري اللامسلم بالفطرة أيضًا، كِلانا نمارس طقوسًا لم نَعِ قصدها ومقاصدها، فقط لأننا وجدنا من سَبِقنا يقوم بذلك.
ماذا لو لم أُولَد في بيئة إسلامية؟!
هل حقًا أنا محظوظ لأنني ولدت مسلمًا بالفطرة، أم أن ذلك بالعكس قد يكون حُجَّةً عَلَيَّ؟!
ماذا لو اكتشفت ذات حِسَابْ، أن كلَّ ما كنت أقوم به في هذه الحياة، وما كنت أعتقده "عبادات" لم يكون سوى عادات مارستها بحكم العادة؟!
ماذا لو حَقَّ عَلَيَّ قوله تعالى: "الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا"!
باختصار، ماذا لو اكتشفنا في النهاية، أننا من الأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا بالفِطْرَة، لا الفِطرَة التي وُلدنا عليها، بل التي تعودنا عليها؟!
02 | إسلام الفِطرَة.. وإسلام الفِطنَة!
ذلك الأعرابي الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فأجابه الرسول: بخمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام رمضان، والزكاة.
كان يسأل وراء كل جواب: هل عليَّ غيرُه، فيجيبه الرسول: لا، إلاَّ أن تَطوَّع.
قال في النهاية: "والله لا أَزيد على هذا ولا أنقص"، فعلق الرسول صلى الله عليه وسلم على قوله: "أَفْلحَ إنْ صَدَق"!
رغم أن هذا المثال، يُعَبِّرُ عادةً عن الحد الأدنى، إِلاَّ أنني اليوم، أرى في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنْ صَدَق" بُعْدًا آخر، أرى أن "الصِدقَ" هنا هو الإحسان، أن يقوم بذلك العمل أو بتلك العبادة على أكمل وجه، على أتم معنى، وبكامل وعي.
لنكن صرحاء، لنتحدث بواقعية، بعيدًا عن أي نرجسية ساذجة أو مثالية فارغة، لنحاول إسقاط ما سبق على واقعنا اليوم، ولنسئل أنفسنا عن إسلامنا اليوم، الآن وهنا!
بدءًا، هل تَهْجِئَتُنَا للشهادة، كافية لأن لا يكون إله آخر في حياتنا، قد لا يكون هذا الإله -أو الآلهة- مجسدة كما كانت في الجاهلية، ولكنها موجودة في حياتنا، ونعبدها بطريقة ما!
هل يكون الله أكبر حقًا من كل الأمور التي تشغلنا، عندما ينادي المؤذن: الله أكبر.. الله أكبر..
هل حقًا رسول صلى الله عليه وسلم، حَبِيبَنا وقُدوَتنا، كما نَشهَد ونَدَّعِي، أم أننا نحبه بشمعتين ومديح في مولده، وبمسيرات غضبٍ نمارس خلالها كافة أنواع المنكرات.
ماذا عن الصلاة؟ عماد الدين، هل نُقِيم الصلاة حقًا في أوقاتها، ويكون مفعولها واقعًا ملموسًا خارج الأوقات الخمس، أم أننا نؤدي الصلاة فقط لإسقاط فَرضِها وإبطال مفعول تلك الشوكة الواخزة في حلقنا؟!
هل نُقِيمُهَا بِوَعيٍ، تمامًا كأول تجربة لنا في سياقة السيارة، مُرَكِزيِنَ فقط مع المقود والطريق، حتى الجالس بجانبنا لا نحادثه، أم أننا تعودها آدائها، وأصبحت في لاوعينا، نؤديها كمن يقود السيارة ويرسل رسالة نصية أثناء ذلك؟!
ماذا لو اكتشفنا ذات حِسَابْ، أن الذي يصلي ويكذب ويغتاب ويفعل غيرهما الكثير، لن يحاسب على كذبه وغيبته فحسب، بل يحاسب بدءًا على صلاته التي لم تنهه عن الفحشاء والمنكر، وهو المَقْصَدُ الذي فُرِضَتْ من أجله أساسًا!
الزكاة، التي ارتبط ذِكرها ارتباطًا وثيقًا والصلاة، هل حققت مَقصَدَهَا هي الأخرى، أم أنه لخَلَلٍ ما في فهمنا، ورغم إخراجنا لها ولو على مَضَضْ، ازداد الفقراء فقرًا وازداد الأغنياء غنىً؟!
ورمضان، مدرسة الصيام كما نسميه، هل حقًا الصوم مدرسةٌ نُرَبِي فيها أنفسنا وأرواحنا ونُهَذِّب فيها أخلاقنا، أم هو -ولِنَكُن صرحاء مرة أخرى- سِجنٌ نحبس فيه شهواتنا ومَسَاوِءنا، بعضها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وبعضها الآخر تُحْبَسُ لأيام معدودات، لِيُفَرجَ عنها في أول أيام العيد كما بعفوٍ رئاسي!
لِنسئل أنفسنا، ولنكن صرحاء دومًا، هل صَدَقْنَا حقًا في الحد الأدنى؟!
03 | لَبَّيْكَ اللهم إسلامَ الفِطنة!
أحد أفاضل مدينتي، له قولٌ عميقٌ جدًا، يقول: "كَاين اللِّي يخرج من الدنيا وهو فاهم (Sujet) بالغالط"، أي أن هناك من يخرج من هذه الحياة مثله كمثل الذي يخرج من قاعة الامتحان ليكتشف أن فهمه لمحتوى الامتحان كان فهمًا خاطئ، وبالتالي فإن إجابته وأداءه في الإمتحان يكون مُخَيِّبًا.
نعم، مرة أخرى: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" (الكهف: 103،104).
حتى لو كنا مُسلِمين بالفِطرة، قد يَنزَلِقُ بنا فهمنا وتَعَوُدُنَا إلى أن نكون من الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ، لذلك، ولا عجب أن ندعوا الله سبعة عشر مرةً في اليوم كحدٍ أدنى، في السورة التي تنتهي بكلمة "وَلَا الضَّالِّينَ"، ندعوه في كل صلاة: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.