تجول الأفكار كثيراً في خواطرنا وتتجول في عقولنا تُحْدِثُ فكرةً، خاطرة، بل ربما تُحْدِثُ صدمةً.
لكنها هذه المرة وعلى غير عادتها بدأت تستنطق غير الأحياء.. أجل الذين رحلوا عن هذه الحياة بسلبياتها وإيجابياتها. تاركين وراءهم ربما أملاً أو هدفاً أو مشروعاً أو حباً أو إصلاحاً أو إخماداً لحرب، أو نهضةً بأمة أو حياة لإنسان، أو العكس من ذلك.. ربما شقاءً وألماً وحسرة وحروباً لا طائل لها.
هذا الحديث كله يجرني للحديث عندما تقف في المقبرة تتأمل السكون والهدوء لتتلقف منها قصصاً وحياة جديدة وجرعة من حياة، لربما هذا ضرب من الجنون وما عليها أن يجن الإنسان قليلاً، فالعقلاء ملوا الدنيا خراباً وقتلاً وحطاماً إلا قلةً منهم.
أجل وقفت في أحد مقابر إسطنبول وتحديداً جامع السلطان الفاتح الذي أحبه كثيراً وأعشق الجلوس فيه لما فيه من حياة، دخلت مسلماً عليهم دعوت لهم تأملتُ أحوالَهم.. إذا بأحدهم يقول: لم جعلتم زيارتنا بكاءً وعويلاً وتجديداً لأحزانكم ومبعثاً لأتراحكم.
أما لو أردتم لاستمديتم منا حياةً جديدةً تستمدونها منا فنكون سبباً في إعمار دنياكم بدلاً من أن نكون مبعث أحزانكم.. فإذا بأحدهم مقاطعاً قال: أجل! تستطيعون ذلك.
قلت: أخبرني بالله عليك، وكيف يكون ذاك؟
قال: أما زلت على قيد؟!
قلت: أجل.
قال : بوسعك أن تستدرك نفسك.. بوسعك أن تنجز شيئاً.
قال لي خذ مثالاً صاحب هذا المقام، انظر إليه جيداً انظر للسلطان محمد الفاتح انظر إليه وهو يسعى ويتعلم ومنذ نعومة أظفاره وهو يرى ذاك الحلم ذاك الهدف أجل فتح السلطان القسطنطينية وأصبح يلقب بالفاتح وعم صَيتُهُ أرجاءَ الدنيا.
فخذ منه إصراراً على الإنجاز وتحقيق الأحلام ولا تبكِه وأبكِ نفسك كم حُلم تقاعسْتَ عن تحقيقه وغفلت عنه.
زدني رحمك آلله..
وبدأت استنطق الآخرين فإذا بأحدهم يقول أنا ضاعت مني فرصاً كثيراً لهوت عنها تشاغلت بالأدنى عن الأولى..اذهب فما زال عندك متسع لتغتنم فرصك وتستثمر نفسك.
والآخر قال أما أنا انشغلت بتحقيق أهدافي واستثمار أوقاتي إلا أني غفلت عن الاستمتاع في حياتي حتى أني لا أجلس أمام البحر أتامله ولا أذهب للسياحة ولا أجلس مع الأصحاب وأهملت الأقارب والأحباب.. فيا صديقي اسمع مني وتوزان في حياتك ولا تنشغل كثيراً على حساب متعتك في الحياة فاغتنم أوقاتك وابتسم كل مرة كأنها الابتسامة الأخيرة.
قلت: أما تعثرتم في حياتكم؟ أما ضاقت بكم الحيل؟
قالوا بلى، حدث كل هذا وتخطينا الصعاب واستطعنا أن نعبرها بالأخذ بالأسباب وبالعزيمة والإصرار تحولت إلى نجاح وإنجاز..
وإذا بأحدهم يقاطعنا قال: أنا أختلف عن كل رفاقي.. أنا غيرهم لقد أحببت فتاة جميلة عفيفة، أحببتها من الوهلة الأولى، ملأت قلبي حباً وعشقاً ملأته أملاً وحناناً كأنها مَلَك تمشي بين البشر، مضت الأيام وأنا أزداد بها تعلقاً وولعاً..
ثم سكت وعيناه تعتصران ألماً ودموعاً؟ قال: مضت الأيام خُطِبت حبيبتي وذهبت لغيري لأني جبنت أن أصارحَها أو أفاتحها ورحلتُ عن الحياة ولم أظفرْ بمن أحب.
فانظر لنفسك يا صديقي، لا تدعْ من تحب يذهبُ عنك بغتةً ولا ينفع حينها الندم ولات ساعة مندم.
وتحدثنا طويلاً وأخذنا بأطراف الحديث مع أصدقاء استفدْتُ من صحبتهم وليت الأحياء يمدوننا بهذه الحياة والأمل والعزيمة والانطلاقة، إذا بأحدهم يستوقفني ويقول أترى هذه الدنيا التي تعيشونها لا تحتقرونها فهي ممرٌ لحياة جميلة وبقدر عطائك فيها تكون حياتك أجمل هنا.
فاحرص على أن تزرع فيها وأن تعطي وأن تمد الإنسان كل معاني الحياة ولا تجعل بقاءك فيها على حساب فناء الآخرين ثم أخبرني: إذا كان العالم مملوءاً ظلمة، لا ترحل وقد تركته أشد ظلمة مما هو عليه، ابذل جهدك وأوقد شموع تُقلِلُ جزءاً من ظلمته، ابذل وقتك وأوقد شموع الأمل في قلوب يائسة.. المهم لا تدعه كما هو وكن سبباً في سعادة الإنسانية ولا تكن سبباً في شقائها.
ولا تكن مثلنا فنحن ننادي كل يوم:
ارجعونِ
أعمل صالحاً
أُنْجِزُ هدفاً
أُسْعِدُ بَشَراً..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.