مع اقتراب موسم الحج أستذكر رحلتي في الحج قبل سنوات قليلة. وفيه شهدت الكثير من المواقف التي تجعلني أرغب في تسليط الضوء عليها ليتم أخذها بعين الاعتبار من قبل الحجيج عند البدء بمناسكه. وذلك لحج أيسر وأكثر صحة يتحقق فيه تقوى الله والأجر الكبير.
بداية، من تجربتي في الحج يتبين أن أبرز مشاكله الازدحام، والتي تبدأ في الظهور وقت عرفة عند التجمع لسماع خطبة مسجد نمرة. فالمسجد صغير وباحته لا يتسعان لبضع عشرات من الحجاج. والباقي يفترش الشارع أو يصعد الجبل.
وتأتي أفواج الحجيج كموج البحر مع اقتراب موعد الخطبة ولمن فاته الحضور وحجز مساحة في مساء يوم عرفة. حينها كنا على وشك التعرض للدهس و"الفغص" لأكثر من مرة. فكان هناك الكثير من الفظاظة من قبل الحجيج بشكل مشابه للازدحام الذي كان "يفغصني" عندما كنت أحاول شراء التشيبس من مقصف المدرسة في الابتدائية. فبنات الثانوية لم يكنَّ يلحظنني؛ نظراً لصغر حجمي وقصري ذلك الوقت. أما عند الحج فلا بد وأن تلحظني أي عين. فلا عذر إذن لمحاولة الحجاج المرور دون أي احترام لوجودي أو اعتبار لكوني امرأة، أو حتى تقدير أنني مثلهم، جئت لأداء المناسك بحسب الوقت. فلا هناك مجال لأي تسابق. فالأسرع لن ينال الأجر الأكبر!
وعندما حان وقت الخطبة، كانت الشمس عمودية. ويا حظ من كان يملك مظلة. ولمحاولة تجنب الإنهاك الحراري قمت بتناول قطع الليمون مع القليل من الملح للنشاط ولتعويض الأملاح التي فقدها الجسم من التعرق. إضافة إلى الوقاية من عدوى الأمراض المختلفة. وكان ارتداء الكمامة خانق طوال الوقت، وخاصة مع الحر الشديد. وعندما بدأ مفتي المملكة بالخطبة، لم أتمكن من سماعه؛ نظراً لتكلم الحجاج وصراخهم هنا وهناك.
ومع بدء المسير إلى مزدلفة بعد الغروب، امتلأت الطرقات بعربات الطعام. فلا داعي لإحضار أي زاد. كما تخف مشكلة الازدحام مع توزع الحجيج مشياً على الطرقات وركوباً في الباصات والقطار أو النزول بالمروحية لكبار الشخصيات.
ومن ضمن الملاحظات الأخرى في يوم عرفة هي النفايات الملقاة في كل مكان. والتي استمرت في الظهور حتى في أيام التشريق عند رمي الجمرات الثلاث بعد النحر والتحلل من الإحرام في منى. فالحجاج همهم رمي الجمرات ونسوا التحلي بالأخلاق الإسلامية ومنها المحافظة على النظافة. وكنت أستعير مساحات من الحصير من باقي الحجاج، مع الاستمرار بتناول الليمون والملح لأجل الصحة والنشاط. واضطررت في النهاية إلى شراء عصا لتعينني على استكمال مناسك الحج.
وفي منى، تم توسعة مبنى الجمرات. فأصبح الحجاج قادرين على رمي الجمرات بشكل أسهل مع اختيارهم لأي طابق من الطوابق الثلاثة الخاصة بالمبنى. إلا أنني فضلت رمي الجمرات متأخراً في المساء تجنباً للحوادث. ولكن فاتني جمع الحصى من مزدلفة، لذلك كنت ألتقطها من الأرض مما كان يسقط من الحجيج. وآخرون بادروا إلى مساعدتي من خلال تزويدي بالبعض منها.
وفي مكة المكرمة، تمكنت من أداء طواف الإفاضة بعد انتهاء الازدحام حول الكعبة المشرفة، كوني كنت مقيمة في المدينة ذلك الوقت. أما الآن فلا داعي للحجاج للقلق من التزاحم عند أدائهم الطواف. إذ تمت توسعة الحرم بتركيب صحن المطاف لزيادة سعته الاستيعابية من الحجاج.
ومن تجربتي في الحج، أملك القول بأنه في مراعاة الأمور التالية سيكون الحج أيسر أداءً وأكبر أجراً بإذنه تعالى:
أولاً- الاحتفاظ بخيمة متنقلة ومظلة وعصا وحصير.
ثانياً– اختيار كمامة من مادة خفيفة لمن يريد ارتداءها لوقاية نفسه من العدوى المتنقلة عبر الهواء.
ثالثاً– عدم حمل الطعام والشراب يوم عرفة. يكفي القليل من النقود لشراء ما يمكن تناوله من العربات. فهي تبيع كافة أنواع الفاكهة. كما تتوفر ثلاجات لمياه الشرب طول الطريق؛ أي في عرفات والمزدلفة ومنى والكعبة المشرفة.
رابعاً- تذكر جمع الحصى عند المبيت في مزدلفة.
خامساً– تناول الليمون والملح وقت عرفة وفي أيام التشريق للمحافظة على نشاط الجسم ووقايته من الأمراض.
سادساً– عدم الخوض في أي جدال وتجنب التصادم والصراخ والكلام أثناء خطبة عرفة وباقي المناسك. امتثالاً لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) ) – البقرة.
سابعاً- المحافظة على النظافة بعدم إلقاء النفايات على الأرض وإنما في الأماكن المخصصة لها. كما ويفضل أن يقوم الحجاج على المبادرة في تنظيف المكان بعمل مجموعات تعمل على توعية الآخرين بأهمية النظافة وإزالة القمامة. قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (الإيمان بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).
بالنهاية الحج من أركان الإسلام الخمسة. ولنيل الأجر الكبير، على كل حاج التحلي بالأخلاق الإسلامية طول الوقت. إضافة إلى المبادرة في مساعدة باقي الحجيج بمختلف الطرق؛ مثل إفساح الطرق للنساء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، وتوزيع الأطعمة والأشربة لهم، وتذكير بعضهم بعضاً بواجبات الحج، كل بحسب استطاعته. فالله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها. وبذلك ينال الحاج أجراً فوق أجر، ويزداد رفعة عن الله وتقرباً منه. وأخيراً أدعو لكافة الحجاج بحج مبرور وبسعي مشكور وبذنب مغفور بإذنه تعالى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.