أسابيع قليلة فقط تفصل المغاربة عن الانتخابات البرلمانية الجديدة ومعها بدأ موسم الترحال السياسي من حزب لآخر.
فكل حزب سياسي له شروط أساسية يعتمدها في تزكية شخص ما كي يكون مرشح الحزب في الانتخابات المقبلة.
أمام هذا الأمر، اضطر الكثير من السياسيين إلى تقديم الاستقالة من أحزابهم والالتحاق بأحزاب أخرى للترشح باسمها، كما قدم برلمانيون أيضاً الاستقالة من مجلس النواب للترشح بألوان حزبية أخرى غير التي فازوا باسمها خلال الولاية التشريعية الحالية التي ستنتهي يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
استقالات وتغييرات
أكثر من 12 رسالة استقالة لنواب برلمانيين وصلت لرئيس مجلس النواب حتى الآن، مع تعدد التبريرات الظاهرة التي قدّمها النواب لتبرير انفصالهم عن الغرفة الأولى، لكن السبب الخفيّ واحد ويتجلى في التحلّل من التزامهم الانتخابي والتمهيد القانوني لعملية الترحال السياسي قبل حلول 14 سبتمبر/أيلول 2016 تاريخ الشروع الرسمي في وضع اللوائح الانتخابية.
كما شدّ العديد من السياسيين، من غير النواب البرلمانيين، الرِّحال إلى أحزاب أخرى زكتهم على رأس لوائحها الانتخابية بعدما قدّموا استقالاتهم من أحزابهم الأصلية.
الشيخ محمد عبدالوهاب رفيقي المعروف بأبي حفص، واحد من الذين قدموا استقالتهم من حزب النهضة والفضيلة، والتحقوا بحزب الاستقلال الذي رشحه بدائرة في مدينة فاس (وسط).
يؤكد محمد عبدالوهاب رفيقي، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن التحاقه بحزب الاستقلال يبنى على مشتركات فكرية يتقاطعها مع الحزب، منها بالأساس "مشروع إحياء الفكر السلفي الوطني الذي يتمايز ويختلف عن السلفي بمفهومه النمطي المتأثر بالتيارات الشرقية المستوردة، خاصة أن حزب الاستقلال له الريادة لتأسيس هذه الفكرة في المغرب لما تركه الزعيم الاستقلالي علال الفاسي".
الترحال من حزب لآخر مع قرب الانتخابات لم يقتصر على أعضاء عاديين أو لا يشكلون وزناً سياسياً بالنسبة لأحزابهم الأصلية، بل وصل الأمر بأمين عام حزب العهد الديمقراطي، نجيب الوزاني، إلى التقدم للترشح للانتخابات باسم لائحة حزب العدالة والتنمية في مدينة الحسيمة (شمال) دون أن يستقيل من أجهزة حزبه!
الموضوع اعتبره البعض شكلاً جديداً لظاهرة الترحال الحزبي، ويحمل الكثير من الإشكاليات القانونية والدستورية، كما أنه قمة في العبث السياسي الذي يضرب بأخلاقيات العمل الحزبي، فيما قال آخرون إنها خطوة تهدف إلى تعزيز جبهة مناهضة التحكم ومحاربة الفساد.
حزب العهد الديمقراطي، الذي يرأسه نجيب الوزاني اعتبر في بيان له، اطلعت عليه "عربي بوست"، أن ترشح نجيب الوزاني باسم حزب العدالة والتنمية فيه "تطابق تام مع القوانين والنصوص التنظيمية الجاري بها العمل".
وأضاف المصدر ذاته أن حزب العهد "قرر تبني استراتيجية انتخابية مبدعة وفعالة على مستوى دائرة الحسيمة"، عندما رشح أمين عام الحزب "على قائمة حزب العدالة والتنمية في إطار تفاهم سياسي مع قيادته الوطنية".
تفسيرات قانونية
يرى الإعلامي والمحلل السياسي، عمر الشرقاوي، في تدوينة على فيسبوك ، أن الاستقالات التي قام بها النواب البرلمانيون "تعد سلوكاً يتنافى مع القيم والمبادئ الدستورية الرامية إلى تعزيز المؤسسات الدستورية، فالغرض منها الاستخفاف والتحايل على ثقة المواطنين الذين انتخبوا ممثلي الأمة لولاية كاملة من 5 سنوات كما حددها الدستور".
محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، يوضح في حديث لـ"هافينغتون بوست"، أن "الترحال السياسي من بين الظواهر اللصيقة بالمشهد الانتخابي المغربي والمشهد السياسي بشكل عام؛ لأن الترحال لا يقتصر على سياسي بسيط ينتسب إلى حزب بشكل عادي، وإنما يصل إلى مستوى قيادات في حزب معين ووزراء وأمناء عاميين".
وقال إنها ظاهرة ملازمة للانتخابات في المغرب منذ أول انتخابات تشريعية سنة 1963 وتمتد إلى الآن. معتبراً أن ذلك ناتج عن هشاشة الالتزام السياسي، وضعف الأخلاقيات السياسية، وضعف القناعة السياسية كذلك.
ويشير رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية إلى أن "القانون التنظيمي للأحزاب السياسيةينص في بعض مواده على أن الترحال السياسي ممنوع، وأن أي شخص اكتسب عضويته في مؤسسة انتدابية (عضويتها بالانتخاب كمجلس النواب والمحليات) وقام بالترحال يتم تجريده من العضوية عن طريق القضاء"، والأمر نفسه يؤكده القانون التنظيمي لمجلس النواب
العاهل المغربي
في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية التاسعة للبرلمان المغربي أثار العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه أمام البرلمانيين من الغرفتين الأولى والثانية، عدة نقاط تتعلق بالحياة السياسية والممارسة البرلمانية.
ودعا العاهل المغربي إلى اعتماد ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي بشكل عام، دون الاقتصار على بعض المواد المدرجة ضمن النظامين الداخليين للبرلمان.
يونس مجاهد، الناطق الرسمي باسم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارض)، يؤكد في حديث لـ"عربي بوست"، أنه "بالرغم من وجود قانون يمنع الترحال السياسي فإن الإرادة السياسية الحقيقية لتطبيقه غير موجودة. لذاك كنا دائماً نلحّ بدعوة الحكومة إلى إصلاح سياسي مرافق للإصلاح الدستوري".
كما شدد عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على أن الحزب كان "دائماً ضد ما يسمّى الترحال السياسي لإعطاء معنى جدّي للانتماء الحزبي".
وأضاف مجاهد أن الحزب دعا للتفكير "في إصلاح هذا الوضع بإيجاد آليات جديدة لذلك، وبالاطلاع على تجارب دول أخرى في هذا المجال، بالإضافة إلى إعادة النظر ومراجعة النمط الانتخابي الحالي، خصوصاً أن ظاهرة الترحال السياسي تكرّست "في الانتخابات الجماعية والجهوية (المحلية) الأخيرة، وتتكرر الآن بأشكال أفظع من السابق".
بدوره أكد عادل بنحمزة، الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، أن الحزب "يرفض ظاهرة الترحال السياسي، وهو أمر مبدئي بالنسبة للحزب لا خلاف حوله".
لكن رغم هذا الموقف، فقد أقدم حزب الاستقلال على ترشيح أسماء قيادية كانت تنتمي قبل أيام لأحزاب سياسية أخرى، كما هو الشأن بالنسبة للحسن حداد، الذي يشغل منصب وزير السياحة حاليا باسم حزب الحركة الشعبية.
وفي هذا الإطار، يوضح القيادي في حزب الاستقلال، لـ"عربي بوست"، أن ما يعتبره الحزب ترحالاً "هو الذي يحدث في وسط الولاية التشريعية، أو مباشرة بعد الانتخابات. هذا يعني تحايلاً على كتلة ناخبة، ويفرغ الاقتراع من معناه الحقيقي".
وأضاف عادل بنحمزة أن "الترحال الذي يرفضه حزب الاستقلال بشكل مطلق هو الذي يحدث مثلاً في حالة ترشح سياسي مع حزب المعارضة ثم بعد ذلك استقطبه حزب من الأغلبية، في حين كان نجاحه بشعارات وبرنامج الحزب المعارض".