التحدي يولد الإلهام.. عندما تجد نفسك مضطراً للقيام بأشياء لا تملك قدرات للقيام بها سوف تبتكر وسائل لتحقيقها، حتى وإن لم تتلقَّ أي تدريبات على ذلك، سوف تجد نفسك تحاول وتتقدم، حتى وإن كانت بخطوات صغيرة، وهذا بحد ذاته إلهام.
طبعاً لا أقول لك ضَع نفسك في مواقف مستحيلة أو مهام لا يمكنك أن تخرج منها بسهولة، فلكل منا طاقة تحمل معينة يعلمها وقدرات تؤهله لمستوى معين على التحدي، إن بعض التحديات الصغيرة اليومية التي نمر بها، والتي نقول لأنفسنا إننا لا نستطيع القيام بها، هي بالفعل ما يمكننا أن نفعله.
سأقسم تحديات الذات اليومية إلى ثلاثة أقسام:
تحدي الجسد، وتحدي العقل، وتحدي النفس.
1- تحدي الجسد:
ويتجلى ذلك في قياس قدرة جسدك على التحمل، ممارسة الرياضة مثلاً، أشياء يمكنك ممارستها يومياً دون حاجة إلى مغامرات غير مسؤولة.. تحديد ساعة أو نصف ساعة على المشي مثلاً! ساعة الايروبيك التي أقنعت نفسك أنك لا تجد وقتاً في الـ24 ساعة في اليوم للقيام بها، تريد أدنى من ذلك، قيامك بحركة رياضية لم يسبق لك القيام بها هو تحدٍّ لجسدك، لا بل قدرتك على فتح علبة لم تكن تستطيع فتحها من قبل لهو تحدٍّ بحد ذاته.
2- تحدي العقل:
إن التفكير بأشياء لم يسبق لك التفكير بها هو نوع من أنواع تحدي العقل، ليس هذا فقط، تفكيرك بأشياء يصعب عليك فهمها ومحاولة تحليلها وفك رموزها هو تحدٍّ كبير أيضاً.
من أروع التحديات التي جربتها شخصياً هو التأمل، لقد سبق أن حاولت أن أستخدم التأمل لتحدي عقلي وإيقافه عن التفكير في أمور مزعجة بالنسبة لي، أستطيع أن أقول إني نجحت تقريباً لفترة من الزمن، إلا أنني فشلت في الاستمرار به؛ لأن التأمل من أصعب التحديات التي يمكن للعقل البشري القيام بها، فمقاومة الأفكار التي تجري كالسيل في عقولنا هي أمر صعب للغاية.
وإذا ركزت قليلاً على أفكارك فستلاحظ أن العقل لا يتوقف عن التفكير وتوليد الكلام، قد تستطيع السيطرة جزئياً عليه، ولكن هناك جزءاً لا يمكنك إيقافه إلا عن طريق التأمل الجدي. يقول العالم مارك مانسون إن لدى الإنسان عقلين: عقل يمكن السيطرة عليه وإيقافه ويسميه العقل الملاحظ، والعقل الآخر هو الذي يستمر بالثرثرة على الرغم من إيقاف العقل الملاحظ ويسميه بالعقل المفكر، وهو لا يخضع لقدرة الإنسان أبداً؛ لذلك فإن التحدي الحقيقي هو إيقاف العقلين معاً ولو لمدة قصيرة، إن هذا النوع الخاص من التحدي يساعد على التفكير بشفافية وأصالة وتركيز أكبر، كما أنه يحفز إحساس الإنسان بأنه قادر على السيطرة على عقله.
لا يتوقف تحدي العقل على التأمل فقط، وإنما أيضاً يشمل تعلم شيء جديد، فمهما كان عمرك فإنك لم تتأخر أبداً في تعلم أشياء جديدة، إنها من الرياضات العقلية التي تبعث على الإحساس بالفخر الذاتي، أي ما أعرفه بـفخر الفرد بذاته؛ لأنه أنجز شيئاً يخصه وحده، وليس له أي تأثير على العالم الخارجي حوله، حتى وإن كنت تعرف أن هناك آخرين قد سبقوك إلى تلك الأمور، فهذا لا يمنعك من تعلم تلك الأشياء والوصول إلى مستوى لم تبلغه من قبل، هذا بحد ذاته تحدٍّ كبير لك، ممكن أنك تعرف بعض الأمور في برنامج ما على الكومبيوتر، إلا أنك تريد الوصول إلى مستوى أعلى فيه، اعتبره تحدياً جديداً واعمل على تعلمه لوحدك، وكأمثلة أخرى تعلم أشياء يدوية لم يسبق لك تعلمها، العزف على آلة موسيقية، طريقة جديدة في تزيين الغرف، طريقة مبتكرة في صناعة كروت.. إلخ، كلها أشياء يومية نقنع أنفسنا أننا غير قادرين على القيام بها، ولكن بمجرد البدء بالخطوة الأولى سنجد أننا قادرون فعلاً على تعلمها، وهو ما سينعكس إيجابياً على تقديرنا لذواتنا بشكل عام.
3- أخيراً تحدي النفس:
أعتقد أنه معقد للغاية؛ لأن من الصعب قياسه إلا عندما يحصل موقف معين يؤدي إليه، فمثلاً أنت لا تستطيع أن تتحدى مبادئك إلا إذا خضعت لامتحان مباشر.
هذا التحدي من أصعب التحديات؛ لأن الجنوح فيه يعني التغير في المعتقدات والرواسخ الأخلاقية والدينية والروحية لدى الإنسان والمساس بهذه الثوابت، إنما هو نزوع النفس وميلها للهوى واتباع النزوات، وبالتالي فإنها تدفع الشخص إلى التشكيك بكل ما كان يؤمن به ويعتقده، تحدي الهوى والنفس الأمارة بالسوء هو ما يجعل الفخر الذاتي في أعلى مستوياته. طبعاً يجب توخي الحذر هنا؛ لأنه في حال كانت هذه المبادئ والثوابت الأخلاقية والدينية ليست بتلك القوة التي تسمح بتحديها، فإننا لا يمكننا المجازفة بها، فبعض الأشخاص ممن لا يملكون وازعاً دينياً قوياً يمكن أن يضعوا بعض الحدود الدينية على المحك، وبعدها لن يكون هناك تحدٍّ وإنما فشل ذريع ووقوع في المعاصي التي ستولد الشعور بالذنب وعدم الراحة.
إن تحدي الذات من أهم الأمور التي يجب أن نحافظ على استمراريتها؛ لأنها تعزز ثقتنا بقدراتنا وتعرفنا نقاط القوة والضعف لدينا، فمثلاً لقد اكتشفت أخيراً أنني قادرة على تعلم لغات جديدة بسرعة، ولكنني عرفت أيضاً أن من نقاط ضعفي أنني أنسى بسرعة؛ لذلك فإن ما أفعله غالباً هو العمل على نقطة ضعفي هذه؛ لذلك أعمل على تقوية ذاكرتي، سواء عبر تحميل تطبيقات تساعدني على ذلك، أو إيجاد تحديات يومية تجبرني على إعمال ذاكرتي بشكل أكبر.
لذلك يمكننا جميعاً تحديد ما نريد أن نتحداه في ذواتنا، والعمل عليها، دون أن نكلف أنفسنا إلا وسعها، راقِب أفكارك وانفعالاتك بعد كل تحدٍّ ناجح، ولاحظ السعادة التي ستشعر بها بعده.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.