علي بابا.. راجل طيب!
"1"
فى فيلم "محاكمة علي بابا" ليحيى الفخرانى، يظهر مشهد عبقري يناقش فيه الابن أمه، حول ما فعله "علي بابا" في القصة المشهورة "علي بابا والأربعين حرامي"، واعتباره أن علي بابا لا يختلف عن "الأربعين حرامي"، فهو الآخر قد سرق.
صحيح أنه قد سرق من لصوص، وصحيح أنه لم يتعمد السرقة في تلصصه على اللصوص في البداية.. إلا أن السرقة تظل سرقة؛ لتجد الأم نفسها أمام صراع بين تساؤل الطفل البريء النابع من فطرته غير المشوهة بعد، وبين ما اعتادت هي على أنت تتعامل معه باعتباره من مسلمَّات الحياة غير القابلة لوضعها أمام النقاش، فضلاً عن نقدها أو إثبات خطئها، لنجد الأم تفقد تمالكها لنفسها وهي تهتف في وجه الطفل المتسائل: "علي بابا راجل طيب"، فيما اعتبره اللاوعي لديها انتصاراً للمسلمَّات، مما سيؤدي إلى إراحتها، وعودتها إلى منطقتها الآمنة.
فى الواقع، لست -ولم أكن يوماً- من عشاق السينما المصرية أو العربية، أو حتى من المتابعين لها عن بُعد، وعدد ما شاهدته فيها من أفلام لن يتعدى العشرين في أقصى التقديرات، وليس من ضمن تلك العشرين ذلك الفيلم المذكور أعلاه، وهو ما قد يكون محيراً للقارئ، إلا أن ذاك المقطع بذاته كان منقولاً كما كتبته هكذا عن أمي، ذاك أنها تابعتها في فترةٍ سابقة من حياتها.
"2"
فى الواقع قفز ذاك الموقف إلى ذهني، حين ابتدرتني شقيقتي بتساؤلات مشابهة للتساؤل السابق، حول القصة المدرسية المقررة عليها في مرحلتها الثانوية "عنترة بن شداد"، حيث قررت ببساطة استغرابها من سلوكيات عنترة، ورغبتة في الانتساب لقبيلته، بالرغم من أن تلك القبيلة كانت قد اختطفت أمه سابقاً، وهو ما يعني ببساطة أنها قبيلة من اللصوص وقطاع الطرق، وانطلاقاً من هذا فأي شرف في الانتساب إليهم، كما عبرت عن إعجابها بشخصية شيبوب وفلسفته في الحياة، واعتبرته واقعياً غير مفرط في أحلامه ومثاليته، بل وكاد يحدو بها القول إلى اعتباره شكلاً من أشكال المعارضة المجتمعية الشجاعة للحالمين، الأمر الذي قد يسهم في النهاية في جعلهم يتواجهون مع مصابهم الحقيقي، مما قد يضع نسبة ضئيلة في انتصارهم عليه أو ربما بعضه.
وكالمعتاد، وَلجتُ إلى غرفتي وبدأت بالتحليل.
"3"
في الفيلم الهوليوودي الشهير The Dark Knight عن بات مان- Batman للمخرج الهوليوودي الأشهر كريستوفر نولان، تصاعدت العديد من صيحات الانبهار بأداء هيث ليدجر العبقري في دور الجوكر، ولاحقاً تحولت صيحات الانبهار تلك تدريجياً من مجرد انبهار بأداء "هيث" إلى انبهار بالجوكر نفسه، ثم إلى انبهار بفلسفته، ثم إلى تبنٍّ لها، ونشر أقوال مأثورة لسيدنا الجوكر على مواقع التواصل، ولجان إلكترونية تتدافع عن الديانة الجديدة والله وحده أعلم بما يلي.
وبعيداً عن انبهاري الشخصي بالجوكر وفلسفته -المشابهة لفلسفتي بالمناسبة- فإنه لا يمكننا إغفال أن توجه الجماهير نحو الجوكر يُعد ظاهرة جديدة في الحقيقة على السيكولوجيات الجماعية، التي تميل بطبعها لكونها طفولية، وبالتالي لتأييد الخير المحض، وهو الأمر غير الموجود في حالة الجوكر، فهل من الممكن أن يكون ذلك دليلاً على نضج الجماهير، أم الاحتمال الأخطر، وهو أن ذلك قد يكون خللاً سيكولوجياً جماعياً.
الأمر في واقعه يحتاج إلى تحليل أكثر للتراث الشعبي للوصول إلى شيء ما.
"4"
وبالعودة للتراث فإنه باستعراض جميع قصص الأميرات التي عرضتها شركة ديزني، والمستوحاة جُلُّها من التراث الأوروبي، فإننا سنجدها مشابهة للتراث الشرق أوسطي المعروض في ألف ليلة وليلة، وربما مشابهة لعديد من التراثات العالمية، الأمر الذي يفتح في جوهره الباب على تساؤل أعقد: هل حقاً ذلك التراث الإنساني المليء بالكسل، والسرقة، والتواكل هو استعراض صادق للاوعي الجماهير؟!
والجواب أنه للأسف كذلك، وبالتبعية فإنه بإمكاننا أن ننفي بضمير مستريح فكرة نضج الجماهير، أيضاً فإننا بإمكاننا نفي الفرضية السابقة القائلة بأن توجه الجماهير نحو الجوكر يعد ظاهرة جديدة، صحيح أن التوجه لم يكن بذاك الصراحة قبلاً، إلا أن اعتباره مقدمات لذلك التوجه قد يعطي تفسيراً أكثر إقناعاً للأمر.
وبالرغم من ذلك، فإننا لن نستطيع تأكيد وجود خلل نفسي، الأمر يحتاج إلى جولة أخرى حول الأمر.
"5"
التفسير الأبسط هنا هو أن ذلك التراث هو إفراز لرغبات الجمهور الدفينة، هم ليسوا مصابين بالخلل، هم فقط يريدون التنفيس عما أُجبروا على كبته، هم أيضاً أعجبوا بالجوكر؛ لأنه ببساطة كان أول من صرح بتلك الرغبات بلا تبريرات تجميلية لقبحها، هو لا يحتاج أن يقول إن مرتبه ضئيل؛ لذلك يضطر لقبول الرشوة كالموظفين مثلاً.. هو فقط يقول إنه يريد تلك الرشوة؛ لأنها ستسعده؛ لذلك كان الجوكر هو بطل الشعوب الجديد! لذلك سقط "بات مان"!
واستناداً إلى ما اتضح، فهل من المقبول أن نربي أطفالنا على إفرازات عقولنا الفاسدة على مدار الأجيال؟! ثم نتساءل بعد ذلك عما دهاهم؟!
الأمر متعدٍّ لمبدأ النقاش من جانبي، تلك الإفرازات يجب أن تعدم بالأساس فضلاً عن عرضها في شكل أعمال فنية كارتونية وقصصية عليهم، أوقفوا تغذية الأطفال على مخلفاتكم البائسة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.