نبدأ الحياة بصرخة، صرخة ممزوجة بالألم والدموع والشقاء، صرخة تطلب النجدة، كأننا نريد العودة من حيث جئنا قبل أن نتلوث أو نتعود على هذه الحياة، ولعل تلك الصرخة إشارة حياة نرسلها لتلك الأم ولكل العالم: أنا وصلت بخير!
تتكرر الصرخات في ما بعد، ولكل صرخة مدلول، صرخة تتعطش للحب، وأخرى للحرية، وأخرى للحياة.. الحياة التي غدت تعيشنا لا نعيشها، تغتصبنا دون أن ندري وتسرق أحلامنا ولحظاتنا دون أن نرفض أو حتى نتفوه بكلمة. أيها القارئ تأمّل هذه الكلمات.. وفكّر!
هل جربت أن تسافر وتعود دون أن تخبر أحداً؟ تأكل وجبة من أحد المطاعم ولا تصورها، أن تقرأ كتاباً ولا تشارك عنوانه أو عبارة منه على صفحتك في الفيسبوك؟!
هل جربت أن تضع هاتفك على العام؛ لأنه لا يوجد في هذا العالم مَن سيزعجك؟ أو أن تستمع بيوم ميلادك دون أن تكترث لأول من هنّأك، أو دون أن تحسب عدد الأشخاص الذين كتبوا على حائطك الفيسبوكي: "عيد ميلاد سعيد"؟!
هل جربت أن تنفد بطارية هاتفك ولا تهتم؟
ببساطة هل جربت أن تعيش حياتك دون أن تشاركها مع الآخرين، دون مراقبة وتجسس دون أن يعني لك التعاطف هو تعليق أحد أصدقائك على منشور يبادرك الحزن فيه أو أن الحب هو إعجاب وضعه شخص يعنيك على إحدى صورك؟ الآخرون يبقون دائماً مجرد آخرين يحشرون أنفسهم في حياتك؛ لأنك أنت سمحت لهم بذلك.
لعل الأجوبة جميعها ستكون بالنفي، ولعلنا نحتاج لصرخة مجدداً لنخرج إلى الحياة، ونستمتع بها بسلام وهدوء، لكن في هذه المرة لن نحتاج لطبيب بل لأنفسنا، وحدها قادرة أن تجعل الأسئلة السابقة جوابها الإيجاب، ووحدها قادرة على أن تجعل من كل صخرة ثورة على الحياة وإعلاناً لصرخات قادمة، نريد أن نعيش الحب والفرح والنجاح دون هواتف ذكية ومواقع تواصل غبية، دون أن نبارك لبعضنا برسالة على الواتساب، ونعبر على مشاعرنا بوجوه صفراء، دون أن يدرك الجميع أننا في عطلة أو حفلة زفاف، أننا نمر بحالة اكتئاب أو سنخضع لعملية جراحية.
تلك الصخرة التي بغيابها سنغيب، تلك التي تعني أننا حققنا أول إنجاز وخرجنا للوجود بمفردنا وقادرين على العيش دون حاجة لأحد، قادرين على أن نخسر الجميع ونربح أنفسنا؛ لنشكل فيما بعد الحيز الأكبر من قراراتنا وأفكارنا وحياتنا، ونصرخ دائماً دون أن نخاف، ونندد بوجود صرخة أمل لا ألم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.