ذهب مدير مكتب نيويورك تايمز في القاهرة، ديكلان والش، إلى الولايات المتحدة ليقوم بتغطية الانتخابات الرئاسية لعام 2016 من وجهة نظر مراسل أجنبي.
بالكاد انتهت عطلة عيد العمال (الاثنين الأول من شهر سبتمبر) ، فيما الأجواء الانتخابية الصاخبة لسباق الرئاسة الأميركي مليئة بتبادل الإهانات. عطلة نهاية الأسبوع هذه -والتي تعد النهاية غير الرسمية لموسم الصيف، تكون عادة محطة استراحة للأمريكيين بعد جهود مضنية بذلوها خلال عامين لانتخاب قائد جديد في واحدة من أكثر العمليات الانتخابية الغربية تعقيدا.
في عيد العمال اتجه الناس إلى الشواطئ أو حفلات الشواء، ليستعيدوا بعض الهدوء قبل أن تبدأ الأسابيع التسعة الأخيرة قبل الإدلاء بالأصوات.
جدل الانتخابات يسيطر
هذا العام لم تكن عطلة عيد العمال أكثر من مطب في طريق حملة جنونية. سيطر الجدل الدائر، خاصة حول دونالد ترامب المرشح الجمهوري، على الصيف كله، بما فيه صور نصف عارية لزوجته وتقارير عن معاملات تجارية مشكوك فيها. واجهت منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، نصيبها من التساؤلات حول مراسلاتها عبر الإيميل، وبشكل ضمني، حول كونها جديرة بالثقة.
أصبحت لغة تبادل الإهانات سمة بارزة في الانتخابات الحالية، ما كشف لنا حقيقة قاسية: رغم (أو ربما بسبب) الكميات الضخمة من الأموال والمجهودات التي ضخها الأميركيون في هذه الحملة الانتخابية حتى الآن، لم تعطِهم إلا مرشحين يرى المصوّتون أن ما ينقصهم يفوق نقاط قواهم.
استقطب ترامب جمهور الناخبين بخطب منذرة بالهلاك ما بين هجوم على الأجانب من مسلمين ومكسيكيين وتعنيف غير ناضج لناقديه. استطاع هذا الأسلوب أن يكسبه إعجاب الكثير من الناخبين البيض غير المتعلمين لكنه أكسبه أيضاً عداوة السود واللاتينيين وآخرين قد يحتاج إلى أصواتهم للوصول للبيت الأبيض.
تحظى كلينتون بتقدم قوي في الاستطلاعات لكنها تعاني مع نِسَب شعبيتها. حوالي 59 في المائة من الناخبين المسجلين لا يفضلونها، طبقاً لاستطلاع وكالة أنباء آي-بي-سي والواشنطن بوست الأسبوع الماضي، تقريباً نفس نسبة 60 في المائة لترامب. معاً يكونان أقل المرشحين الانتخابيين شعبية في تاريخ أميركا المعاصر. وفي يناير القادم، أحدهما سيرأس البلاد.
لم يكن من المفترض أن يحدث هذا، تشتهر الانتخابات الأميركية بكونها مرهقة ومكلفة: ماراثون لسنتين من المسابقات الأولية، مناظرات تبث على التلفاز وحملات عبر الولايات، تحركها ملايين الدولارات وتدقيق مشدد. لكن وصولًا لهذه المرحلة، كان يجب أن ينتج مرشحان مضادان للرصاص يملكان، بتقدير أغلبية الشعب، الصفات اللازمة لإدارة البلاد.
هذا العالم مختلف، كما هو واضح، لأن الناخبين غاضبون تجاه النخبة السياسية اللامبالية، تجاه العولمة وتجاه المهاجرين. لكن منذ وصولي للولايات المتحدة من موقعي الصحفي المعتاد في القاهرة، كثيراً ما صادفت ملاحظات مؤثرة أخرى من الأشخاص الذين قابلتهم، خوف وإحراج وحتى خجل تجاه الطريقة التي يسير بها السباق الانتخابي. يظل هذا موجوداً حتى في الأماكن التي تصنف أنها "أميركا المنسية".
في رحلة لإقليم الفحم في ولاية فيرجينيا الغربية، وجدت نفسي في دينغس، وادٍ ناءٍ يوصف، حتى محليًا، بأنه مكان منعزل لا يرحب بالغرباء. يمر الطريق إلى الوادي عبر نفق غير مضاء لمسافة ميل حيث، يقال، أن متعصبين محليين أطلقوا النار بشكل عشوائي على عمال مناجم مهاجرين سود أثناء وصولهم بالقطار.
لكن في دينغس، لا يطابق الجميع الصورة النمطية لبلدتهم. في محطة وصولي الأولي رأيت رجلين يستندان إلى عمود بوابة، يرتديان ملابس كاكية اللون ويستعدان للذهاب لصيد الأسماك، نموذج شكلي لشخص سينتخب ترامب، فكرت. اتضح أن كليهما يحتقرانه.
أحد الرجلين، جيسي إلكينز، 70 عاماً، شارك في حرب فييتنام –"13 شهراً من الجحيم"- وقال إنه مقتنع إن طبيعة ترامب المتهورة ستقود بأميركا إلى حروب غير ضرورية. الرجل الآخر، جيمس يروك، 40 عاماً، ذكر إعجاب ترامب الواضح بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين كعلامة على خطر محتمل. "يتكلم بطريقة وضيعة أكثر من اللازم،" يقول جيسي.
على الجهة الأخرى لم يعجب أحدهما بكلينتون -"المولودة في فمها ملعقة فضية" يقول إلكينز-لكن لم يستطيعا أن يقبلا بدعم ترامب في المقابل. "أعرف شيئاً واحداً بشكل مؤكد وشيئين يقيناً،" قال إلكينز "أنا لن أصوت لترامب."
مع ذلك، لا يعتبر الهجوم العدائي شيئاً جديداً على الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الأميركية.
عام 1828، لم تستطع الاتهامات بالقتل، الزنا وحتى أكل لحوم البشر أن تعيق آندرو جاكسون عن الفوز بالانتخابات، ولاحقاً عن وضع وجهه على ورقة عملة العشرين دولاراً.
فاز ريتشارد نيكسون في الانتخابات الرئاسية في سباق اشتهر بصعوبته عام 1968، كما كان هجوم منظمة "محاربي القوارب السريعة القدامى" على سمعة السيناتور جون كيري العسكرية الذي أحبطت بسببه محاولته للترشح عام 2004.
هذا العام، تُسدَد الضربات بوتيرة مربكة وسريعة نتيجة لكل من ثورات ترامب العنيفة والمتكررة، والإيقاع السريع لإعلام وسائل التواصل الاجتماعي المحمومة بطبيعتها.
في وسائل الإعلام، تحولت الشخصيات الاستفزازية لرواد أعمال. وظّف ترامب لحملته ستيفن ك. بانون، الذي يعمل أيضاً في وكالة أنباء بريتبارت، وهو موقع إلكتروني محافظ ينشر مقالات بعنوان مثل "وسائل منع الحمل تجعل النساء كسالى وغير جذابات" و"هل تفضل أن يؤمن طفلك بالحركة النسوية أم يصاب بالسرطان؟".
تستجيب كلينتون ونوّابها لذلك برسم صورة لترامب كمتعاطف مع المؤمنين بسيادة العرق الأبيض –"في حال فوز ترامب، سيكونون هم من يديرون البلاد" كما صرّح إعلان موال لكلينتون- أو إدانته بكونه "سيكوباتياً." وقد قام بعض الصحفيين بانتقاد مراوغات ترامب بأساليب لغوية متطرفة على غير عادتهم.
بالنسبة للدول التي اعتادت اعتبار الولايات المتحدة دليلاً لمنهج الديمقراطية، يعطيهم هذا السباق الانتخابي فرصة للشماتة المرحة.
"أراقب هذه الانتخابات بفضول بالغ" يقول بيير دي فوس، أستاذ القانون العام في جامعة كيب تاون، جنوب أفريقيا، الذي شبّه الحملة الانتخابية بحادث سيارة. "أصبح الأمر متعة ممزوجة بالذنب بالنسبة لي، أن أنتظر آخر التصريحات المشينة والغريبة التي سيقولها ترامب."
أشار دي فوس لقيام الولايات المتحدة لعشرات السنين بتوزيع مراقبين على العمليات الانتخابية في الدول النامية. الآن يتحدث أصدقاؤه ساخرين عن إرسال مراقبين لانتخابات أميركا في نوفمبر القادم "لضمان انتخابات حرة ونزيهة."
يعرب مراقبون عن قلقهم أن ما بدأ في الولايات المتحدة قد يجد طريقه إلى سياسة بلادهم.
"الآن يتحدث الناس عن حجم يدين المرشح الانتخابي ولا يتحدثون عن عدم مساواة الأجور،" يقول ميناكا جوروسوامي، محامي من نيودلهي. "إنها إهانة لعملية الحوار السياسي، وهو شيء موسف جداً."
مع ذلك، يمكن ملاحظة أن ضجة الانتخابات الأميركية تعكس حراكاً عالمياً من الاستياء. وبالنسبة للبعض، قد تعطينا الحملة العدوانية شيئاً مثيراً للإعجاب.
أشار ميخائيل زيفاراس، أستاذ القانون الدستوري في معهد ساينس بو في باريس، أن المرشحين الرئاسيين في فرنسا لم يصلوا إلى مناصب سياسية رفيعة دون أن يكونوا خريجي مدارس عريقة أو دوائر اجتماعية عليا، أو ينخرطوا في عشرات السنين من الخدمة في أحزاب سياسية كبرى.
وبالتالي، يقول، بينما يرتعب أفراد هذه الدوائر الاجتماعية العليا من إمكانية فوز ترامب بالرئاسة، يغلبهم القليل من الإعجاب بالقصة الأميركية العصامية: أن ترامب السياسي الساذج، أو السيناتور بيرني ساندرز، الذي خسر المنافسة على الترشيح الديمقراطي، قد يظهران فجأة ويطالبان بفرصة في الوصول للرئاسة.
"لا تجد هذا في فرنسا،" يقول أستاذ زيفاراس. "للأمر جاذبية خاصة به."
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.