لم يكن لها الوقت الكافي لتقول لك: أخذت تشتمني وأردت أن تطردني، لا شيء يدهشني، فلقد عرفتك دائماً نذلاً، لقد كانت على عَجَل حتى إنها نسيت أن تذرف الدمع أمام فيلم "عاشت للحب"، حين انتحرت زبيدة ثروت بسبب تخلي كمال الشناوي عنها، بعد أن منحته شرفها أو بالأحرى شرف أسرتها.
لقد كانت منشغلة بتبانها الزهري الجديد الذي ستلبسه احتفاء بعذريتها الجديدة، نعم، عذريتها الجديدة والمتجددة دوماً ودائماً بفضل العلم وتكنولوجيا الليزر. ألا تدري أن في بلد الربيع يباع الشرف بأقل من 300 دولار وبطريقة صحية، تُسمى بعمليات الجراحة والتجميل، تجريها المقبلات على الزواج أمثالها، هي التي ستنادى بالعاهرة وستنتقل قصتها جيلاً عبر جيل لو شك أحدهم بأن قطرات دمها سالت خارج سرير زوجها.
هي 750 ديناراً تونسياً كفيلة بشراء شرف يليق برجل شرقي مثلك، ورث مبادئ الفحولة كابراً عن كابر تلك المبادئ التي علمته كيف يستثمر جهده وخبراته وكل طاقته في سبيل الفتوحات العربية، ذلك الفتح، الذي يبدأ حين يمسك بسحابة بنطلونه وينزلها لأحد الأجساد الملقاة أو المنتصبات أمامه.
فتوحات تجعل منك رجلاً وتصنع منك فخر الجميع، ليقال إنك صاحب خبرة وصاحب تجربة ويُعتد بك أمام الملايين من التونسيين، ذلك الشعب الذي يقول أبناؤه: "زين الراجل في سرواله"، أي جمال الرجل في ذلك العضو، وتحديداً في مدى فاعليته ونجاعته، وتوصي الأمهات لفلذاتها: "كي تلقى نقبة سدها"، أي حين تجد ثقباً ما عليك سوى غلقه.
واحتراما لإرثنا الوطني في الاحتفاء بالقضيب، كان لا بد من غشاء البكارة، ولا بد من فتح مبارك ترفقه زغاريد النساء؛ ليكتمل بهاء الرجولة، ولتتمكن أنت من رسم انتصاراتك كان عليها أن تقوم بعملية رتق لتلك العذرية احتراماً لمبادئ الفحولة، والتزاماً بوصايا الأجداد، فالقبيلة في جبالنا تجتمع وتسترجع اسمها وتستعيد أمجادها الأمازيغية وتحيا من القبور، إذا تعلق الأمر بما بين أفخاذ النساء، فالعار يُحيي اسم الجد ويستدعي صوت البنادق وقيم التآخي وصلة الرحم واسم الله العظيم.
ففي وطني، فعل الحرام والفحشاء والتكفير والزناء كلها مرتبطة بالنساء، وحدها المرأة من تخالف حكم الرب حين تقوم بعلاقة جنسية قبل الزواج، ووحدها المرأة من تُنعت بالزانية، لو اكتشفوا أنها على علاقة مع أحدهم، أما الرجل فلا أحد يتعرض له؛ ربما لأن إمام الجامع من جنس الرجال، أو ربما لأنه ظل الله على الأرض، أو لعل رحمة السماء تستثني النساء؟
إلى هذه اللحظة، لم تخبرني أمي لماذا تُمحى خطايا أخي ولا تُغفر خطايانا، من أجل ذلك كانت لا تستكثر بعض الدنانير لتنقذ سمعة القبيلة ولتترك الأجداد في قبورهم، ولتتجنب اندلاع الحروب، فدماء ليلة البناء هي سبيلنا للحفاظ على السلم الأهلي، وهي دليلنا نحو الأمن المجتمعي، وهي شهادة بأننا خير أمة أخرجت للناس.
ماذا قلت؟ وكأنك نطقت بعاهرة أو ساقطة ربما نذلة، أضحكتني يا ابن الوطن.
لم تأتِ بجديد، فتلك السباب أعرف فحواها جيداً وأحفظ مفرداتها وأجيد تصريف أفعالها بين ماضٍ ومضارع وحاضر، ألا تعلم أن كلمة عاهرة لم تعد ضمن السيئات؟ فحسب العقل التونسي تولد المرأة عاهرة إلى أن تؤكد ذلك، ما بك يا ابن الوطن وكأنك لم تحتسِ كوب شاي في مقاهي هذا البلد؟ وكأنك لم تشهد تعنيفاً لإحدى الصبايا أمام الملأ، أولئك الذين لن يتصلوا بالشرطة لفك العنف عنها بل سيدعمون صاحب الفعلة.
يا ابن البلد، ألا تعلم أن محاكم التفتيش الكاثوليكية غادرت أوروبا واتخذت من أرضنا مسكناً؟! فبلادنا مساحة خصبة لحفظ تاريخها من الزوال، فتلك المحاكم كانت تُشرع لقتل الغجريات والعاملات والمتصوفات والكاهنات ليصل عدد النساء المتعرضات لحكم الإعدام خمسة ملايين وأكثر.
وللأمانة التاريخية كان لمحاكم التفتيش في القرون الماضية أسبابها وبراهينها لملاحقة النساء، أما نحن وفي القرن الحادي والعشرين نُلاحق بدون سبب، أو عفواً نلاحق لأننا نساء، ولأننا نحمل شرف العرب والأمازيغ والكرد والقبط وكل من يسكن هذه المنطقة المسماة بشمال إفريقيا/شرق أوسط.
نلاحق من أجلك، فبدون شرفي أنت إشاعة رجل، بدون شرفي أنت بلا اسم، أنت كائن بلا عنوان، أنت ظل نخلة وسط القبيلة، أنت عار لا تمحوه شلالات الدماء.
لا تلعني، بل قُل: بارك الله الشرف الذي يُشترى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.