المجتمع المدني رأس الأمر كله

الطريق إلى دولة راشدة لا بد أن يكون عن طريق مجتمع ناضج يعرف كيف يطالب بحقه بالإحسان، وتتكافل أطرافه لسد الخلل، ودون ذلك إن حدث تغيير سيكون ناقصاً، وقد يرتد لحال أشد سوءاً من ذي قبل، والحالة العربية في غالبها تمثل نموذجاً لبعض العيوب في حركة المجتمع المدني.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/05 الساعة 03:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/05 الساعة 03:54 بتوقيت غرينتش

يعتبر المجتمع المدني مكوناً أساسياً من مكونات المجتمعات الحرة التي تسعى للترقي وتشكل حجر الزاوية في التكافل الاجتماعي ضد أي استبداد قد يؤثر سلباً على تماسك المجتمع.

إن إهمال أي حكومة أو تعسفها في القيام بدورها الوظيفي لا يعفي الشعب من المبادرة للإصلاح عبر مؤسسات المجتمع المدني، كالأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية، والمبادرة لا تكون نقداً جدلياً أو اعتراضاً على صفحات الجرائد فقط، مع أهمية ذلك في كبح جماح الاستبداد، ولكن تكون أيضاً بتقليل أثر الفساد ورقع الثقوب التي خلفها الظلم في نسيج المجتمع.

في الحالة العربية بشكل عام قامت بعض المنظمات المدنية والحركات المجتمعية بمجهود لا بأس به، كالدعم الاجتماعي للفقراء، ولكن ما زال لديها الكثير لتفعله في ظل كفاحها لمستقبل جيد.

فلنفترض مثلاً أن هناك إزالة لمنطقة سكنية يقطنها بعض الفقراء في ضواحي بعض المدن وتضرر من ذلك أسر كثيرة، بل وتم حدوث أضرار جسيمة لبعض السكان، في هذه الحالة يتوقع من منظمات المجتمع المدني الراشد أن تتحرك نحو جهتين:

الأولى: مكان الكارثة للتخفيف على السكان بالدعم وتوثيق الحدث.
والجهة الثانية: قاعات المحاكم لسلوك الطريق القانوني ضد الأجهزة الرسمية.

تكرر المثال أعلاه في عدد من عواصم ومدن الدول العربية كالقاهرة والخرطوم مثلاً وقامت المنظمات ببعض المجهود، ولكن كان ينقصه التكامل في التغطية الإعلامية والملاحقة القانونية للجهات الرسمية، حتى وإن لم يسفر ذلك عن شيء، فالضجيج يخيف الظالم أكثر من السكوت، إضافة لذلك ومع توافر وسائل الإعلام البديل، فإن التوثيق للحدث وتغطيته يساهمان في منع تكرار مثل هذه الحوادث.

وبذلك يكون المجتمع قد صار إيجابياً من ناحية تقديم الفعل وتأسيس ثقافة متمدنة بدلاً عن التنظير الجدلي والتعليقات المليئة بالغضب في فضاء الصفحات الاجتماعية، وأيضاً يصبح الشعب متحضراً في سلوكه الطرق المدنية لحل النزاعات مع السلطة، وسلوك ذلك الطريق قد يبدو طويلاً، ولكن في تقديري أنه أسلم الطرق لتفادي الأزمات التي عانت منها بعض دول المنطقة نتيجة لانسداد الأفق في عصر الفوضى الخلاقة، كما يحلو لبعض الدوائر الغربية تسميتها.

إن حركات الاحتجاج المدنية الرشيدة تعرف كيف تدير الصراع السياسي بدون أن تفقد الوطن، وتعرف تماماً كيف تختار الوسيلة المناسبة في الوقت المناسب، وتتجنب العنف جملة وتفصيلاً، وتستنفد كافة فرص الحرية المتاحة في كفاح سلمي تتراص حوله غالب الطوائف والجماعات الوطنية التي تعيش في ظل الوطن.

الطريق إلى دولة راشدة لا بد أن يكون عن طريق مجتمع ناضج يعرف كيف يطالب بحقه بالإحسان، وتتكافل أطرافه لسد الخلل، ودون ذلك إن حدث تغيير سيكون ناقصاً، وقد يرتد لحال أشد سوءاً من ذي قبل، والحالة العربية في غالبها تمثل نموذجاً لبعض العيوب في حركة المجتمع المدني.

قد يعترض البعض بأن ليس من حقنا انتقاد الفاعلين في المجتمع المدني؛ لأن ذلك قد يسهم في تفتيت عضد الناشطين، وفي تقديرنا أن حركة المجتمعات تحتاج دوماً لبذل النصح من كل الأطراف، فاعلة كانت أم شاهدة، من أجل تصويب المسيرة نحو مستقبل نتمنى جميعاً أن يكون مشرقاً.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد