خذوا حذركم.. عندما يرى الشعب ضوءاً ولا يصدقه

نعم نحن "سعداء" و"متفائلون"، وهذا ما نستثمره في تداولات بورصة الأمل، هذا ما نودعه في بنوك القناعة، هذا ما نملكه من سندات وحصص سمينة في شركات الصبر، ولو أن "للصبر حدود"، كما صرخت أم كلثوم، قد يتحول إلى ضجر وحنق، قد ينقلب عليكم يا مسؤولون.. يا أصحاب السعادة، فاحذروا.. احذروا من يوم قد يكون فيه الشعب متشائماً، تعيساً، يرى فيه ضوءاً.. فلا يصدقه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/04 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/04 الساعة 03:40 بتوقيت غرينتش

كشف آخر استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب وين" عن أن المغاربة من أكثر عشرة شعوب في العالم سعادة وتفاؤلاً لعام 2016، "تفاؤل" مغربي تزاحم أضواؤه شعوباً تعرف قسطاً من البؤس والفقر والكبت الاجتماعي والسياسي، فهل فعلاً نحن "سعداء"؟ أم نحن نكذب على أنفسنا فنداري قدر الإمكان على حقيقتنا القاتلة كما وصفها الفيلسوف "نيتشه".

على ما يبدو، قد تنطبق علينا مقولة الشاعر البريطاني جورج غوردن بايرون: "المتفائل يرى ضوءاً غير موجود، والمتشائم يرى ضوءاً ولا يصدقه"، ربما نحن المغاربة (شأننا شأن كل الشعوب "السعيدة" المطحونة في أمرها) نرى ضوءاً بل وتخيلات طوباوية غير موجودة، نحن الشعوب "السعيدة" البئيسة نتعايش مع البؤس، نصالحه مع كل صباح مع الزيت والخبز المحروق، نضحك معه برشفة شاي مُرّة، ونسلم عليه مجبرين مع فاتورة كريديهات لا تنتهي، نحن المحرومون من فيتامينات العز والفخفخة..

ينصحوننا ليل نهار بالعدس واللوبيا؛ لأنها غنية بالألياف، وتجلب لصاحبه سعادة مسطحة، تنتفخ أمعاؤنا بالمياه غير الصالحة للشرب، ننسى الألم بامتصاص سيجارة رخيصة، نسخر من بؤس حياتنا بأتفه نكتة، لعلها تمسح نفايات الشقاء، بسذاجتنا الواعية نحب ما تعرضه الشاشة، نضحك حتى البكاء على كوميديا سخيفة لا تبدع سوى في الاستهزاء من عاهاتنا الجسدية، نعرف أنَّ من الغباوة بمكان أنْ يتزوج البئيس "السعيد" بنت "الفشوش"، نعرف أننا لن نجد وظيفة بسهولة الأفلام.

نعرف أننا ولو بعنا "حلالاً" البطاطس والنعناع، فلن تجلب لنا الثروة، ما عدا إن أضفنا لها قليلاً من ملح "الحرام"، نحن من حقق أعلى نسبة مشاهدة لمسلسلات "دلاس"، و"نور"، و"سيدة المزرعة"؛ لأننا فقط كنا نريد أن نسكن مع هؤلاء "السعداء" الأغنياء، "النايس بيبول" ولو للحظات.

نحن أولاد "الحثالة"، لا نستحق سوى هذا التعليم، نحفظ ما نجهله، ونجهل ما نحفظه، نحن الأبرياء، أطفال "المستنقعات"، نستمتع بعطلتنا المدرسية في السباحة، في "المنتج الترفيهي السياحي الدولي"، في الوادي الحار المجاور لمنازلنا، نحن دوماً، كنا وما زلنا وسنظل، المشجع، الراعي الرسمي للمنتخب الوطني، مهما كانت هزيمته المعتادة خسارةً، أو انتصاراً وهمياً.

نحن من يدفع الضرائب أولاً بأول، نحن مَن يدفع فواتير الكهرباء والماء غير الصالح للشرب شهراً بشهر، نحن من أثرى شركات الإفلاس، نحن من يزيد من معدل النمو الاقتصادي، نحن من يهرب قدر الإمكان من واقعهم عند أقرب بار رخيص أو تحت الحيطان البالية، نحن من ضاعت أوراقهم الثبوتية، نحن من انتهكت كرامتهم في الأوتوبيسات، نحن من تُسْرَقُ منهم أعضاؤهم الحيوية.. قلوبهم وفلذات أكبادهم في مستشفيات عمومية، نحن من في الفيضانات كما في الزلازل تسقط عليهم ممتلكاتهم إرباً إرباً فوق رؤوسهم وهم يصيحون: "لنا الله يا وطن".

نحن من سخر منا الفنان الراحل سعيد صالح بمقولة "يا متعلمين.. يا بتوع المدارس".. ندرس حتى ننال شهادات عليا، وفي الأخير نرضى بالقسمة والنصيب مع مهنة مهينة (أحسن من التشوميرا)، نحن من ليس لهم الحق في أن يبدع، يطمح، ويطمع بفتافيت أحلام صغيرة، نحن من ليس لهم الحق في التفكير.. لك الحق في أن تأكل وتشرب وتمارس حياتك الطبيعية مع المدام.

نحن من هلل للاستقلال والوطنية، ناضلنا بعناد مع أحلام الاشتراكيين، رحبنا بالرأسمالية وصوتنا للإسلامية، وفي الأخير أدركنا أن وعودهم المعسولة كانت مجرد نص إنشائي..لا يكتبه حتى تلميذ رابعة ابتدائي، نحن من يريد فقط كرامة وخبزة، وكفانا من حلويات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وغيرها من الشعارات.

نعم نحن "سعداء" و"متفائلون"، وهذا ما نستثمره في تداولات بورصة الأمل، هذا ما نودعه في بنوك القناعة، هذا ما نملكه من سندات وحصص سمينة في شركات الصبر، ولو أن "للصبر حدود"، كما صرخت أم كلثوم، قد يتحول إلى ضجر وحنق، قد ينقلب عليكم يا مسؤولون.. يا أصحاب السعادة، فاحذروا.. احذروا من يوم قد يكون فيه الشعب متشائماً، تعيساً، يرى فيه ضوءاً.. فلا يصدقه.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد