كنيسة السيدة الإفريقية في الجزائر.. حين يجمعنا الاختلاف

هذا التمازج الحضاري في بناء الكنيسة وتزيينها هو للإدراك الاجتماعي قيمة، فالنذور والصلوات التي نقشت على الجدران باللغات الثلاث وأشهرها "يا سيدة إفريقيا صلّي من أجلنا ومن أجل المسلمين" الموجودة منذ أكثر من قرن خلقت تقارباً وتسامحاً دينياً، والصلاة كانت كدليل على التعايش بين المسلمين والنصارى بعيداً عن الأفكار المتطرفة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/03 الساعة 05:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/03 الساعة 05:34 بتوقيت غرينتش

تختلف الأديان ويتعدد الرسل، لكن الرب يبقى واحداً وبيوته تجمع كل المعتقدات، كنيسة السيدة الإفريقية التي تربض فوق سفح مطل على البحر بمدينة الجزائر العاصمة، معمار يجعلك تتيقن أن الاختلاف يجمعنا لا يفرقنا، ففي بلد أغلبيته مسلمة بقيت الكنيسة شامخة وفاتحة أبوابها للقلة المسيحية وللزوار الجزائريين لثبت أن الأبنية تشيد من حجارة صماء، لكن ما تحويه بداخلها يجعل من الحجارة داعية لمبادئ عظيمة تؤكد أن بيوت الله للجميع مهما اختلف المعتقد.

بُنيت سنة 1872 بهمة امرأة سوداء تدعى "مارغريت بيرغر" التي قدمت مع الأسقف "بافي" إلى الجزائر سنة 1836 تاركة وطنها وأهلها لتخدم دينها في منطقة جديدة، هذه الأخت التي ضاق صدرها أن لا يكون في الجزائر كنيسة للعذراء، فراحت تُصر على الأسقف ليل نهار بأن يشيد للعذراء معبداً، وفي الأخير استجاب الأسقف لطلبها، ولم يجد أفضل من المكان الذي توجد فيه الكنيسة اليوم حتى يتمكن الداخل للجزائر عبر البحر من رؤية الكنيسة ولتحمي العذراء البحارة، حسب المعتقد المسيحي النصراني.

بناء كنيسة السيدة الإفريقية لم تتكفل به الحكومة الفرنسية أو الفاتيكان بل ساهم كل من فقراء وأغنياء النصارى في تشييدها بعد أن قدم الأسقف نداء للمساعدة في بنائها فتهاطلت التبرعات والهبات فأبوابها الثلاثة هدية من بحارة مروا بالمكان أثناء البناء، وأشراف فرنسا من جنرالات وقادة، تهافتوا لتقديم هداياهم فقدم الجنرال (بيليسييه) صليباً عظيماً وجرساً وسيفاً من سيوفه، وكذلك أهدى الجنرال "يوسف" سيفاً من سيوفه لتزيين الكنيسة وتبعه قادة آخرون كـ(بيجو) و(سونيس).

إن كانت التكاليف والمعتقد يجعل من الكنيسة ملكاً لكل نصارى في أي بقعة من العالم، فإن شكلها الداخلي والخارجي يجعل المسلمين يمتلكون جزءاً منها، بطابعها المعماري البيزنطي والزخرفة العربية الإسبانية، أما من الداخل فنجد لوحات جدارية فنية تعبّر عن قصص وشخصيات من الإنجيل، كما عُلّقت على الجدران ألواح بالعربية والأمازيغية والفرنسية في داخلها أمنيات خاصة ونذور مستجابة وصلاة مريمية، والعارف للجزائر يدرك جيداً أن اللغة العربية والأمازيغية هي اللغات التي تشكل مزيج اللسان الجزائري، كدليل على التعايش بين المسلمين والنصارى آنذاك فلا مكان للاقتتال على المعتقد والتي حملت رمزية كبيرة.

الديكور الداخلي مليء بالتماثيل لشخصيات دينية كالمسيح والعذراء والقديس "أغسطينوس" وأمه القديسة "موني"، واللافت أنك ستجد قاعدة تمثال مصنوع من الخزف الأزرق أنجز من قبل فنان جزائري وفي صدر الكنيسة نشاهد آلة "الأورغ" الموسيقية فوق المنصَّة وخزانتها الخشبية مدهونة على الطريقة الجزائرية، كما نجد في الوسط تمثال نحاسي للسيدة العذراء بلباس المجبود وهو لباس تقليدي جزائري عريق، بغض النظر عمن قام بمثل هذه التصرفات، لكنه دليل على اعتبار الجزائريين للكنيسة كموروث جزائري يفتخرون به.

بعد رحيل الاستعمار بقيت الكنيسة أمانة في أيادي الجزائريين، فبقيت تتلقى نذور نصارى العالم وتنقش على جدرانها كنذر رائد الفضاء "فرنك بورمان" عندما وصل إلى الفضاء سنة 1970، كما أنه في كل مرة كانت تقوم السلطات بتجديد الكنيسة وترميمها، حيث بلغت تكلفة آخر ترميم مليون يورو، هذا التمازج الحضاري في بناء الكنيسة وتزيينها هو للإدراك الاجتماعي قيمة، فالنذور والصلوات التي نقشت على الجدران باللغات الثلاث وأشهرها "يا سيدة إفريقيا صلّي من أجلنا ومن أجل المسلمين" الموجودة منذ أكثر من قرن خلقت تقارباً وتسامحاً دينياً، والصلاة كانت كدليل على التعايش بين المسلمين والنصارى بعيداً عن الأفكار المتطرفة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد