ظهر الجيش المصري فجأة ليعلن عن حل الأزمة، قبل أن تمر عدة ساعات على تفاقم أزمة ألبان الأطفال، بعدما تظاهر مئات الآباء والأمهات المصريين الخميس الماضي، أمام مستشفى معهد ناصر على كورنيش النيل بالقاهرة وبعض مناطق الجمهورية الأخرى، احتجاجاً على رفع أسعار حليب الأطفال المدعوم من 17 إلى 60 جنيهاً وعدم تواجده.
وزير الصحة أعلن أن الجيش سيطرح 30 مليون علبة حليب مدعم بالصيدليات، لكن الخبر لم يضع حداً للأزمة، بل بدأ جدلاً واسعاً عن أسباب أزمة حليب الأطفال، وعن دور الجيش في تجارة هذه السلعة الحيوية لملايين المصريين، ما اضطر الجيش لإصدار بيان صباح السبت 3 سبتمبر/أيلول 2016، يشرح فيه تدخله في أسواق الحليب، ويتحدث عن استيراده كميات غير محددة، لبيعها بسعر 30 جنيهاً للعلبة، فيما كان سعر علبة الحليب المدعوم لا يتجاوز 18 جنيهاً.
وفي سابقة غريبة شن البيان هجوماً حاداً على الشركة الحكومية التي كانت تستورد حليب الأطفال المدعوم، واتهمها بنشر الشائعات ضد الجيش، والتأثير على الرأي العام.
الشركة المستوردة حذرت من تدخل جهة سيادية
وفقاً لوزير الصحة ووسائل الإعلام، ضخ الجيش 30 مليون علبة حليب أطفال كانت موجودة في مخازنه، بسعر 30 جنيهاً للعبوة بدلاً من 60 جنيهاً، وهو السعر غير المدعوم.
لكن الشركة المصرية للأدوية، وهي الموزع الحكومي الرئيسي للحليب المدعوم، كانت نشرت إعلاناً بإحدى الصحف في ديسمبر/كانون الأول 2015، تستغيث فيه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ، وتشكو من "جهة سيادية" دخلت كطرف للحصول على مناقصة الحليب المدعوم، معتبره أنه يعد تهديداً للأمن القومي.
وكتب محمد كساب، الصحفي بجريدة المصري اليوم على حسابه الشخصي بفيسبوك، أنه "بداية من يونيو/حزيران الماضي، خفضت وزارة الصحة كميات الحليب المدعوم من 23 مليون علبة لـ 18 مليون علبة سنوياً، وقررت اتباع إجراءات جديدة، مثل الشراء بالكارت الذكي و"جواب الرضاعة"، وتوزيع اللبن عبر مراكز الصحة، فزادات صعوبة الحصول على الحصة الشهرية كاملة، وهي 12 علبة للطفل، بسعر مدعوم هو 18 جنيهاً للعلبة.
والأزمة بدأت في منطقة آغا خان
الأزمة بدأت الخميس الماضي أمام فرع الشركة بمنطقة آغا خان شمال القاهرة، بعد اكتشاف الأمهات أن فرع الشركة مغلق، ولم تكن واضحة كيفية الحصول على نصيب أطفالهن من اللبن المدعوم، فبدأت المظاهرة التلقائية، وعلى الفور أطلق وزير الصحة تصريحه المطمئن، بأن مخازن الجيش ستحل الأزمة.
أثارت الأزمة وطريقة تدخل الجيش لحلها العديد من الأسئلة في أذهان المصريين، فما أسباب أزمة ألبان الأطفال من الأساس؟ وهل هي مصادفة أن يكتشف الجيش وجود 30 مليون علبة لبن أطفال في مخازنه؟ ولماذا استوردها ومتى؟ ولماذا يبيعها بسعر 30 جنيهاً بدلاً من 18 جنيهاً للمدعوم الذي اختفى؟
وزير الصحة قال إن "منظومة التوزيع بالكروت الذكية جاهزة، ولا توجد أزمة" ما دعا الكاتب الصحفي محمد أبو الغيط، وهو الطبيب السابق، للرد قائلاً: هذا على أساس أن الأمهات وجدن الحليب بالمراكز لكن خرجن في التظاهرات للترفيه!؟.
"نقابة الأطباء": القصة واضحة
مصدر بنقابة الأطباء المصرية، قال إن وزارة الصحة فوجئت منذ عدة أشهر بدخول القوات المسلحة لشراء صفقة حليب الأطفال من أميركا، ووقع عطاء المناقصة بدون أسباب واضحة على الجيش بدلاً عن الشركة المصرية للأدوية.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، لـ"عربي بوست"، أن الصفقة تمت بشراء العلبة الواحدة بنحو 27 جنيهاً، على أن يتم دعمها بالدولة وبيعها بـ18 جنيهاً، وهو السعر المدعوم المتعارف عليه.
يوضح، المصدر، أنه بين يوم وليلة تفاقمت الأزمة ووجدنا الأهالي يقطعون الطرق نتيجة عدم توافر الحليب، موضحاً أنه كان يجلس مع بعض الأطباء بالنقابة يوم الأزمة وتساءل بعضنا أين الصفقة التي حصل عليها الجيش منذ شهرين؟
تابع: "بالفعل قبل أن نجيب على السؤال كان قد انتشر خبر بالمواقع الإلكترونية تحت عناوين "الجيش يحل الأزمة"، وهو ما أثار الاستغراب، أي أزمة، ولماذا تم ضخ العلبة بسعر30 جنيهاً مع أنه من المفترض أن يباع بـ27 جنيهاً فقط؟.
هل ترك الجيش الأزمة تتفاقم فترة ليبيع حليب الأطفال بالسعر الأعلى، ليتيح لبرامج التوك شو التمجيد في قياداته، أي ربح مالي مع حصد الشكر والتمجيد؟. يرد مصدر نقابة الأطباء قائلاً: كل شيء واضح للعيان ولا يوجد عندي تفسير أكثر من ذلك.
الجيش يرد في بيان غاضب
لم ينتظر الجيش كثيراً فقد خرج المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية العميد محمد سمير ببيان رسمي صباح السبت اتهم فيه الشركة المستوردة، وهي شركة حكومية، باحتكار العبوات للمغالاة فى سعرها، ما تسبب فى زيادة المعاناة على المواطن البسيط، من دون شرح لكيفية زيادة المعاناة، وأضاف أن الجيش، انطلاقاً من دوره فى خدمة المجتمع المدني، نسق مع وزارة الصحة وتعاقد على نفس عبوات الألبان، لتصل للمواطن المصري بسعر 30 جنيهاً بدلاً من 60 جنيهاً، وتجاهل البيان أن الأزمة حدثت مع الحليب المدعوم، وسعره لا يزيد على 18 جنيهاً.
ونفى بيان الجيش وجود أية عبوات في مخازنه قبل بداية الأزمة، وقال إنه سيتم استيراد أول دفعة اعتباراً من منتصف شهر سبتمبر/أيلول الحالي، لتوزيعها على الصيدليات بسعر 30 جنيهاً للعبوة. ووصف البيان اتهامات الشركة للجيش بالاستيلاء على سوق استيراد حليب الأطفال بأنها "شائعات وحملة مغرضة شنتها شركات استيراد الألبان بهدف التأثير على الرأي العام، وعلى المواطن أن يدرك أن القوات المسلحة تبذل قصارى جهدها لتخفيف العبء عن المواطن البسيط".
"الحق في الدواء" ينتقد إهمال "الصحة"
وانتقد المركز المصري للحق في الدواء الفشل اليومي الذي تمارسه وزارة الصحة، مشيراً إلى أن مأساة صناعة الدواء في مصر سببها عدم وجود سياسات واضحة واستراتيجية يعمل على تنفيذها جيش كبير من القيادات والمستشارين والموظفين لا يستطيعون تلبية احتياجات المواطنين أو التنبوء بأي أزمات قد تحدث.
ورصد المركز أنه لأول مرة منذ 35 عاماً يتم رفع أسعار الألبان الصناعية المدعومة ولأول مره يتم إلغاء الدعم على النوع الثالث دعم الجزئي التي كانت تصرف في 60 ألف صيدلية بـ 18 جنيهاً، ثلاثة ملايين عبوة.
وبشأن البيان قال الحقوقي محمود فؤاد المدير التنفيذي لمركز المصري للحق في الدواء، "إن الأول من سبتمبر هو موعد شهري ثابت لأكثر من ٤٠٠ ألف أسرة، تتوجه إلى مخازن الشركة المصرية للأدوية في القاهرة، وباقي الفروع في المحافظات لصرف المقرر الشهري لأطفالهم، ففوجئوا بأن مسؤلي الشركة يخطروهم أن الصرف أصبح في مسؤولية وزارة الصحة، فحدثت الفوضى واحتج الأهالي.
وأشار فؤاد، إلى أن شروط صرف الألبان الصناعية شروط متعسفة، وتعتبر انتهاكاً واضحاً ضد حقوق الإنسان.
وكشف أن منافذ الوزارة لم يتم ميكنتها بالآلات الخاصة إلى الآن ولا يوجد كروت ولا تدريب الصيادلة على استخدامها أو تسجيل الأطفال المستحقين للصرف حتى هذه اللحظة.
وقال إن هناك عقداً موقعاً في وقت سابق بين رئيس الشركة المصرية لتجارة الأدوية وهيئة الإمداد والتموين لاستيراد حصة إضافية من الألبان 12 مليون عبوة للبيع بالسعر الحر 30 جنيهاً في الصيدليات فقط بدون دعم، والصفقة بين الشريكين مناصفة، والتوزيع سيكون على منافذ الشركة، موضحاً أن جزءاً كبيراً منها من خلال منافذ أخرى يحدده الشريك الآخر، مُشيراً إلى أن هذه الصفقة لم تدخل الأراضي المصرية للآن.
وأوضح أنه هناك نحو 287 ألف طفل يشكلون 11٪ من المواليد يستحقون ألباناً صناعية هذا العام، سوف يزيدون في النصف الأخير للعام ٣٣ ألف مولود جديد، ولن تكفي الصفقة الحالية، وسوف تحدث أزمات أخرى بسبب أن مصر وقعت على استيراد 18 مليون عبوة بدعم قدره 450 مليون جنيه أقل 250 مليون جنيه بسبب إلغاء 3 ملايين علبة من العام السابق وهي رقم الدعم الجزئي الذي تم إلغاؤه، علماً بأن الحكومة تدفع دعماً في العلبة 24 جنيهاً.
واستطرد، إن أزمه الألبان في حقيقتها تتجسد في سببين نقص الدعم وسوء التوزيع وتسربه إلى الأسواق السوداء، وهي أزمات تتكرر في أصناف أخرى في سوق الدواء وأصبحت هناك سوق موازية لعدد من الأصناف.
هاشتاغ #لبن_العسكور يكتسح تويتر
بعد تصريح وزير الصحة عن تدخل الجيش لحل الأزمة، أطلق عدد من رواد الشبكات الاجتماعية عدة هاشتاغات أبرزها #لبن_العسكور ونشر "كوميكسات"، للسخرية مما حدث.
#مصر أمانة في رقبتك#مصر_بترضع
أوعى تنسى تكرعها يا رأفت#لبن_العسكور pic.twitter.com/Zl64W3SQRZ— مرارتي اتفقعت (@mararaty) ٢ سبتمبر، ٢٠١٦
….
رايحين جايين…. شايلين فى إيدنا بزاز #لبن_العسكور
— Mina Mourad (@MinaMourad_1) ٢ سبتمبر، ٢٠١٦
…
المشكلة مش فى إن الجيش بيعمل لبن المشكلةً إن قيادات الجيش على مدار آخر ٦ سنين وصلوا المجتمع إنه يتريق على الجيش بكل سهولة.
#لبن_العسكور— Abdullah (@abdullahlabib94) ٢ سبتمبر، ٢٠١٦
…
ومنين نجيب اللبن من حماة الوطن،ومنين نجيب الحليب من عند سيادة النقيب الكتيبة201 ببرونات #لبن_العسكور #رضعني_شكرا pic.twitter.com/WMY5ZpgRWj
— حفصه (@hmr1596) ٢ سبتمبر، ٢٠١٦
وكان أبرز الفيديوهات التي تداولتها الشبكات الاجتماعية والتي أوجعت المتابعين، صراخ إحدى السيدات تحمل طفلها على يديها، خلال احتجاجات الأهالي، في وجه ضابط بالشرطة وتقول له "هو إحنا بنتكلم على أكل ولا شرب إحنا بنطالب بلبن أطفال، لبن أطفال".