ما هو واقع المحامي السعودي من حيث المعوقات والمتطلبات؟

لا بد أن تكون هناك خطة استراتيجية من قِبل وزارة العدل لتطوير مهنة المحاماة مثلها مثل الخطة الاستراتيجية لتطوير القضاء في المملكة، خصوصاً أن أعداد المحامين في ازدياد، ومن الطبيعي أن تزداد متطلباتهم، وتكون ذات تركيز أكبر في حل مشكلة التدريب الميداني لحديثي التخرج من المحامين، أما آن الأوان أن يكون هناك مركز متخصص تابع لوزارة العدل بمعايير أكاديمية متطورة لتدريب حديثي التخرج بشكل صحيح ومهني بحت، يكفي حديثي التخرج ذل السؤال والتوسل للتدريب لدى مكاتب المحاماة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/03 الساعة 03:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/03 الساعة 03:51 بتوقيت غرينتش

دائما ما نتساءل نحن معشر المحامين في جلساتنا الخاصة عن واقع مهنتنا التي تتسع رقعتها المهنية يوماً بعد يوم، ومعها في نفس الوقت تتسع معوقاتها ومتطلبتها التي لو تغلبنا على معوقاتها وتم تحقيق متطلباتها نكون قد توازينا على الأقل من حيث تطورها مع ما يحيط بنا من دول مجلس التعاون الخليجي.

وأبرز تلك المعوقات هو الوعي المجتمعي بهذه المهنة وأهميتها، إذا أردنا أن نتناول القضية بشكل عقلاني ومنطقي بحت لواقع ثقافة مجتمعنا بها، التي للأسف هي ضحلة جداً، وخصوصاً على مستوى الأشخاص الطبيعيين أكثر من الأشخاص الاعتباريين.

ويتبين هذا بشكل واضح في أي جلسة استماع لأي قضية من قِبل طالب الاستشارة أو من خلال مراقبة الوضع العام، لأنه للأسف فالأفراد في المجتمع السعودي بشقيهم الطبيعي والاعتباري هم من يترافعون عن أنفسهم، وتعد هذه ظاهرة غير صحية، في حين أن المحاكم الإدارية هي من يوجد بها محامون بشكل أكبر، باعتبار أن القضايا المرفوعة فيها قضايا تجارية أو أمور متعلقة بشركات عملاقة ذات باع طويل في المطالبات، وتعلم أهمية أن يكون لها محامٍ خاص، إلا أنها للأسف لا تخلو من العيوب، حيث إن أغلبها لا يستعين بالمحامي إلا في وقت الحاجة، لكونه يغيب عن خطتها الاستراتيجية منذ بداية التأسيس، بحيث يكون متواجداً في كل كبيرة وصغيرة لكونه صمام أمان لتحركات الشركة القانونية من حيث الإجراءات، فلو كان موجوداً منذ البداية لما وقعت الشركات بتلك الإشكالات القانونية التي ستستنزف من رأس مالها ووقتها الكثير.

أما المعوق الآخر وهو أكثر إزعاجاً، بل حجر عثرة تتمثل بترسيخ فكرة لدى المواطن السعودي مفادها أن المحامي هو نفسه ما يطلق علية "المعقب"، وللأسف هي ظاهرة منتشرة باسم "مكاتب الخدمات العامة"، وهي بالأصح مكاتب تعقيب وتتبع وتخليص للمعاملات في بعض الدوائر الحكومية التي تتصف بطابع البيروقراطية المقيتة، لكن للأسف الشديد أصبحت تقوم بالكثير من المهام المنوط بها أصلاً المحامي، بل تقتحم هذا التخصص الجليل ذا الأهداف السامية، مما أحدث الكثير من البلبلة والإساءة بشكل مباشر للمحامي ككيان مهني اجتماعي بارز، والمتضرر الأخير من جراء هذا التدخل هو المواطن، لكونه لم يستأمن قضيته لدى صاحب الاختصاص الذي في الأخير يخضع لضوابط المهنة المنصوص عليها نظاماً؛ لهذا تجد الثقة في مجتمعنا مفقودة بين المواطن والمحامي بسبب أخطاء الدخلاء على هذا التخصص، والسبب الرئيسي لهذه النتيجة المأساوية في نظري هو غياب المبدأ الذي يقول: "إن المحامي يعد أحد أعوان القضاة، إذا قاموا بالدور المنوط بهم على الوجه المطلوب شرعاً ونظاماً، فهم يساعدون القضاة في إظهار الحق في وقت أقصر وبمجهود أقل، فهم أقدر على بيان الحجة والدليل من الخصوم العاديين، خاصة في ظل تشعب المعاملات وتعدد الأنظمة وتعقدها" عن كثير من القضاة في مجتمعنا إلا ما ندر، فلو تحقق هذا المبدأ لما وجد من هم يطلق عليهم لقب معقب، يزاحم بغير وجه حق أو اختصاص المحامين في ساحات القضاء.

وهنا أفرغ للمتطلبات التي لو تحققت نكون قد حفظنا للمحامي مكانته وحققنا بعض التطور المنشود في هذه المهنة المهمة لخدمة مجتمعنا بشكل حضاري، أبرزها أن يكون هناك قسم اليمين للمهنة يدلي به المحامي الذي اجتاز متطلبات اللجنة المختصة أمام وزير العدل، لكون وزارة العدل هي مرجع المحامين ومظلتهم، حسب النظام الصادر بمرسوم ملكي عام 1422هـ؛ لكي يترسخ المفهوم المهني أكثر لدى المحامي ولدى المجتمع أيضاً، فهي مهنة لا تقل أهمية عن الجندي الذي يذود عن الوطن، فهناك مجموعة من المهن تتطلب القسم المهني، خصوصاً التي تتعلق بها مصائر الناس.

كما لا بد أن تكون هناك خطة استراتيجية من قِبل وزارة العدل لتطوير مهنة المحاماة مثلها مثل الخطة الاستراتيجية لتطوير القضاء في المملكة، خصوصاً أن أعداد المحامين في ازدياد، ومن الطبيعي أن تزداد متطلباتهم، وتكون ذات تركيز أكبر في حل مشكلة التدريب الميداني لحديثي التخرج من المحامين، أما آن الأوان أن يكون هناك مركز متخصص تابع لوزارة العدل بمعايير أكاديمية متطورة لتدريب حديثي التخرج بشكل صحيح ومهني بحت، يكفي حديثي التخرج ذل السؤال والتوسل للتدريب لدى مكاتب المحاماة.

لو تحقق ما ذكرت كأولوية تبقَّى الطابع الشكلي لتقدير المحامي من حيث المكانة في مجالس القضاء وأروقة المحاكم، فللأسف فالمحامون ليس لهم أروقة خاصة توفر لهم الخدمات الأساسية في المحاكم، كما هو معمول به في أغلب دول العالم، وخصوصاً دول الجوار في مجلس التعاون الخليجي، ناهيك عن المواقف الأخرى فللأسف تجد جل الزملاء من المحامين يتأخرون عن جلساتهم، بسبب البحث عن موقف لهم؛ لكي يصل للمحكمة، وخصوصاً من هم من ذوي الإعاقات.

كما أنه من الضروري أن تصدر تشريعات تلزم الجهات ذات الاختصاص بأن لا تقبل الترافع أو التوكيل إلا لمن يحمل تصريحاً للمحاماة، كما أن يوقع من يرفض ذلك على تعهد بتحمل مسؤولية ما سوف يقدم عليه في حال توكيله من هو ليس محامياً معتمداً لدى وزارة العدل، وهذا يتوازى مع ضرورة ذكر الصفة المهنية للمحامي في الصكوك والوكالات الشرعية، فما زال يذكر اسم المحامي دون أي صفة مهنية، ولا أجد أي مسوغ لهذا، فلمَ سمي بمحامٍ إذاً؟

وأختم المتطلبات بفكرة قديمة تتلخص في سؤال بسيط هو: إلى متى لا يوجد رداء مخصص للمحامي السعودي يميزه في أروقة المحاكم؟ الكثير يذهب إلى القول بأن هذه بدعة دون الاستناد إلى دليل منطقي أو حتى شرعي.

إنني أتساءل دوماً: إلى متى نتأخر في حل كل إشكال صادفنا؟ لماذا لا نستمع لأصوات أصحاب الاختصاص فيما يتعلق باختصاصهم؟ أليس في ما تقدم نوع ما للارتقاء في تلك المهنة التي لو أفسح المجال لها لأسهمت في تخفيف الكثير من الأعباء عن الكادر القضائي؟! أما آن الأوان إلى الانتقال إلى مرحلة ثانية من تطوير هذه المهنة ومنحها فضاءات جديدة تحلق فيها.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد