جاء في إحدى الجرائد الإلكترونية الصادرة في 3 أغسطس 2016 ما يلي: "يتعرض أفراد من الجالية المغربية في عدد من الدول الأوربية بشكل مستمر لدعوات تغيير ديانتهم من الإسلام إلى المسيحية من طرف جماعات تمارس التبشير.. واستنكر عدد من مغاربة الخارج هذه الممارسات، معتبرين أنها مس بحرية تدينهم وتشويش على معتقداتهم".
هناك سؤالان يطرحان في ضوء الظاهرة المشار إليها أعلاه: لماذا ينزعج بعض المسلمين المقيمين في أوربا من دعوات التحول إلى المسيحية التي تضطلع بها الجماعات المسيحية؟ هل مصدر هذا الانزعاج ضعف في العقيدة أو إحساس بالتفوق الديني؟ هناك دول أوربية كثيرة تحكمها العلمانية وحرية المعتقد تقطن بها الجاليات المسلمة المستهدفة بحملات المبشرين، فلم لا تقتنع هذه الأخيرة أن كل جماعة دينية لها الحق في الترويج لأفكارها بعيداً عن منطق الفاشية أو الإلزام؟ هنا، أعتقد أن مبدأ "لا إكراه في الدين" هو مبدأ كوني عابر للثقافات ولحدود الزمان والمكان، قبل أن يكون ذا حمولة إسلامية ومرجعية قرآنية. شخصياً، وهنا لا أريد بتاتاً أن أتقوقع في الأمثلة أو الحالات المعزولة.. أقول، شخصياً لا يزعجني أن يتحدث لي مسيحي أو يهودي أو بوذي.. عن معتقداته. أكثر من ذلك، حتى وإن دعاني بكثير من العاطفة والحماس أو محاولات الإقناع إلى التحول من دين لآخر، فلن أفعل إلا ما يمليه علي ضميري ووعيي الشخصي.
دعه يعمل، دعه يمر.. في رأيي أن أي مؤمن له كامل الحق أن يعتقد أن دينه هو الأفضل، بما يتيح له إن شاء أن يبشر به. إن هناك عدداً من المسلمين القاطنين في دول الغرب يصمون آذانهم ولا يتقنون فن الحوار مع من اختلف معهم في الفلسفة أو العقيدة الدينية. إن الفكرة التي أريد أن أدافع عنها في ثنايا هذه السطور واحدة وواضحة: أيها المسلم القاطن في الغرب، من حقك أن تكون غيوراً على دينك متمسكاً بجوهره وتعاليمه، ولكن لا داعي لأن تنزعج من حملات المبشرين. إن أي مبشر يحمل رسالة قد نتفق أو لا نتفق مع مضمونها.
دعه يعمل، دعه يمر.. إن قوة شخصيتك تكمن في أن تتبنى وتمارس ما تعتقد أنه عين الصواب دون أن تملك حساسية مفرطة تجاه تعدد وتنوع الأديان. هذا مبشر يدعوك إلى التحول للمسيحية ؟ ممتاز! استمع له وافعل ما يمليه عليك ضميرك. استفت قلبك. وإذا اشتعلت مشاعرك الدينية بالعاطفة والحماس، فحدثه أنت من جانبك عن الإسلام. قل له، بل اهتف أمام البشرية بأعلى صوت: الإسلام دين الحب والتسامح. الإسلام تعايش وقبول للاختلاف وتساكن وتراحم. إن العلمانية الغربية لا مجال معها للإكراه الديني وتنوع الأديان داخل بلد أو قارة ما مؤشر إيجابي وظاهرة صحية. إن هذا من شأنه أن يفتح قنوات للحوار والتواصل بين الشعوب، دون تعصب أو تزمت؛ فـ"لكم دينكم ولي دين" و"إنا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا". إن الحكمة إذاً في الاختلاف هي التعارف.
وهنا تحضرني قصة شخصية تعود أحداثها إلى عام 2006. فقبل عشر سنوات من هذا اليوم، كنت لا أزال أسكن في الديار الفرنسية، وكنت أتساءل كأي شاب يغذي وجدانه حب الاستطلاع والانفتاح على العالم.. كنت أتساءل دون كلل أو ملل عن السر الرباني في اختلاف الأديان. وكنت دائماً أجد نتفاً من الأجوبة على لسان جيراني من المسيحيين واليهود. وكان من بينهم ميشيل، ذلك الفتى المسيحي الوسيم، الذي لطالما ردد على مسامعي الكلام نفسه:
– في لبنان، بلدي الأم، لدينا أديان وطوائف عديدة، وهذه نعمة من الله.. صحيح أني مسيحي، لكني أجد الإسلام ديناً في غاية الجمال، لأن كثيراً من قيمه السمحة ومبادئه الكونية مذكورة في الإنجيل وفي أقوال السيد المسيح. وعلى فكرة، فإن المصحف الذي أهديتني إياه في رمضان الماضي ترك أثراً عميقاً في نفسي. لقد قرأته ثلات مرات وأحببت لغته القوية وأفكاره العظيمة. أصارحك القول أني مستعد لدخول الإسلام، لكن ما يزعجني في دينكم هو عذاب جهنم. لم لا تكون هناك جنة دون نار؟ وكيف يقبل الرب أن يلقي بجزء من البشر، وهو خلقهم على صورته، في النار؟ سوف نمثل جميعاً أمام الله يوم الحساب، هذا أكيد.. وساعتئذ، سأقرأ سورة الفاتحة إذا تبين لي أن الإسلام هو الدين الحق. أنت تعلم أني أحفظ الفاتحة عن ظهر قلب.. إنها تذكرني بـ"أبانا الذي في السموات".
كان هذا ميشيل وكانت هذه بعض تأملاته حول الإسلام. أما بنيامين، جاري اليهودي، فكانت له رؤية أخرى:
– هل تظن أن موسى كان له متسع من الوقت ليبلغ الرسالة؟ ألم تكن حياته شاقة، كلها دعوة وجهاد وأسفار وهجرة ومتاعب ومصاعب لا تحصى؟ حتما لم يكف موسى الوقت لينقل لبني إسرائيل كل التعاليم. إن هذا حال كل نبي مرسل، وإلا فلم احتاجت البشرية بعد كليم الله إلى عيسى ومحمد؟؟؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.