جاءت إقالة ديلما روسيف من رئاسة البرازيل، أمس الأربعاء 31 أغسطس/آب 2016، بمثابة خاتمة مرتقبة لصراع مرير على السلطة استمر لأشهر طويلة، لكن بدون أن تشكل تسوية للأزمة السياسية التي يشهدها هذا البلد.
وإذ نددت روسيف بـ"انقلاب برلماني" وتوعدت بمعارضة شرسة "للحكومة الانقلابية" الجديدة برئاسة خلفها ميشال تامر، صور رد فعلها بصورة واضحة أن هذا اليوم التاريخي الذي شهد إقالتها في البرلمان ليس خاتمة للازمة.
ولم يكن هذا الحدث سوى الحلقة الأخيرة من الفصل الأول ضمن مسلسل سياسي لن ينتهي قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة عام 2018.
فما هي السيناريوهات التي قد تحملها المحطات المقبلة؟
عودة محتملة لديلما روسيف
من المرجح رغم ما أظهرته من صمود وتصميم، أن تنسحب ديلما روسيف من الحياة السياسية بعد هزيمتها لتتقاعد في سن الـ68.
لكن إن كان أعضاء مجلس الشيوخ صوتوا بغالبية ساحقة على إقالتها، إلا أنهم لم يحرموها من حقوقها المدنية مثلما كانت تخشى إذ نددت مسبقاً بـ"عقوبة إعدام سياسي".
ويبقى بالتالي في إمكانها الترشح لشغل مقعد في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، غير أنه لن يكون بوسعها الترشح للرئاسة عام 2018، بعدما شغلت المنصب الرئاسي لولايتين متتاليتين، وهو الحد الذي يسمح به القانون.
وحذرت الأربعاء "هذا ليس وداعاً".
تامر الرجل الضعيف الجديد
خرج نائب الرئيسة الوسطي المتكتم منتصراً من الجولة الأولى من الأزمة.
وانتظر ميشال تامر اللحظة الأشد عزلة وضعفاً لديلما روسيف ليسرع سقوطها في الربيع، ويخلفها بأسهل وسيلة حتى العام 2018.
غير أن انتصاره قد يكون قصير الأمد نظراً إلى نقاط ضعفه هو نفسه.
فشرعيته تطرح أصلاً تساؤلات على الصعيد الدستوري، وهو في موقع ضعيف بسبب الجدل حول كيفية وصوله إلى السلطة وصفات "الخائن" و"المتآمر" و"الانقلابي" التي أطلقتها عليه ديلما روسيف.
وما يزيد من هشاشة موقعه أن رجل الجهاز السياسي غير المعروف كثيراً من البرازيليين يعاني من شعبية متدنية بقدر شعبية روسيف.
ثم إنه يواجه مع حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية الذي ينتمي إليه فضيحة بتروبراس، المجموعة النفطية العامة، وتبعاتها الخطيرة.
وورد اسمه هو نفسه في عدة تهم بدون أن يؤدي ذلك حتى الآن إلى عواقب قضائية.
عامان لتحقيق نجاح
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، أقر ميشال تامر نفسه الأربعاء أن أمامه "سنتين لإعادة وضع (البلاد) على السكة" فيما تشهد أسوأ انكماش اقتصادي منذ عقود.
وقال "سيكون هذا صعباً"، محدداً أولوية له خفض البطالة التي تطاول 11,8 مليون برازيلي.
ويمكنه الاعتماد حالياً على غالبية متينة في البرلمان وعلى تأييد أوساط الأعمال.
وتعهد تامر بتصحيح مالي صارم وبالشروع في تطبيق إصلاحات غير شعبية لنظام التقاعد ولقانون العمل.
فهل يحسن الحفاظ على لحمة ائتلاف نيابي تشكل بدافع الضرورة حول هدف مشترك هو إطاحة ديلما روسيف، من أجل أن يحمل البرازيليين على تقبل هذه التدابير الصارمة؟
إنه سؤال يبقى مطروحاً بدون إجابة، إذ إن حزب تامر سيقدم مرشحاً للانتخابات الرئاسية عام 2018 لأول مرة منذ 1994.
وسعياً منه لمهادنة حلفائه الجدد في الحزب الاشتراكي الديمقراطي البرازيلي، الحليف التاريخي لحزب العمال، وعد بأنه لن يترشح هو نفسه للرئاسة.
وبعد 4 انتخابات رئاسية خسرها الحزب الاشتراكي الديمقراطي البرزايلي على التوالي مقابل حزب العمال، يعتزم هذا الحزب من وسط اليمين الفوز في الانتخابات المقبلة ولا ينوي السماح لمرشح تامر بالتفوق عليه.
اليسار يترصد فرصة
إلى يسار الساحة السياسية البرازيلية، فإن حزب العمال بزعامة ديلما روسيف ومرشدها في السياسة الرئيس السابق لويس ايناسيو لولا دا سيلفا لا يحلم حاليا بانتخابات 2018، وقد اضعفته 13 سنة في السلطة وأنهكته فضائح فساد.
ويركز الحزب اهتمامه في الوقت الحاضر على ضمان استمراريته، فيحاول كبداية الحد من الأضرار في الانتخابات البلدية في تشرين الأول/أكتوبر حيث يخشى هزيمة تاريخية.
وهو الآن تحرر من أعباء الرئاسة، مع الانتقال الى المعارضة حيث يراهن على فشل ميشال تامر في سدة الرئاسة، ولن يتردد في استغلال الاستياء الاجتماعي الناجم عن التدابير التي ستتخذها حكومة تامر، وسيحاول فتح جبهة اجتماعية من خلال حراكه النقابي.
لكن أي مرشح ما زال بوسعه تقديمه عام 2018؟ فلم يحسن الحزب تجديد صفوفه، ويبقى لولا المرشح الوحيد الجدير بالمصداقية.
غير أن التهم الموجهة إلى لولا في فضيحة بتروبراس تهدد جدياً بمنعه من العودة إلى العمل السياسي.
لكن يبقى أنه على الرغم من مشكلاته مع القضاء، ما زال لولا يتصدر نوايا التصويت في الدورة الأولى من انتخابات رئاسية.
ويبقى على الرغم من ضعف موقفه الخصم الانتخابي الذي يخشاه اليمين ويحاول القضاء عليه بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل القضائية.