"1"
فى الكون ثنائيات لا تتبدل ولا تتغير، هكذا جعلها الله وهكذا عرفها الناس، سنن كونية لا يختلف ميزانها ولا تحابي أحداً مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة "معلومة لدى العقل بالاضطرار".
فكما أن طلوع الشمس دليل على دخول النهار، ووجود الماء دليل على وجود الحياة، هكذا التعليم الجيد أساس النهضة والبناء، وعلى حد قول العرب: "البعرة تدل على البعير، والقدم يدل على المسير"، نستطيع أن نقول: والاهتمام بالتعليم يدل على وجود إرادة حقيقية للتغيير.
"2"
فى عام 1965 تخلت ماليزيا عن قطعة من أراضيها لما تمثله من عبء بسبب الجهل والفقر والمرض والتنافر البالغ حد التقاتل فى هذه المنطقة (إنها جزيرة سنغافورة).
مع بداية استقلال سنغافورة بالحكم فطن رئيس الوزراء "لي كوان "إلى حقيقة أن التعليم عامل حاسم في لمّ شمل الأعراق المتنافرة والمتناحرة وتطوير القوى العاملة لتحقيق الأهداف الاقتصادية، ولعبت الحاجات الاقتصادية في سنغافورة دوراً هاماً في تحديد معالم سياسة التعليم، لقد قام لي كوان بجمع التبرعات من المواطنين وأخبرهم صراحة أن ما يقدمون من أموال سيذهب أولاً في دعم التعليم، وفي أقل من 50 عاماً تحولت سنغافورة من جزيرة فقيرة تقطنها غالبية أمية من السكان إلى مدينة تضاهي مستويات معيشة أفرادها نظرائهم في الدول الصناعية الأكثر تطوراً، وتحتل سنغافورة المرتبة الثانية بعد سويسرا من حيث القدرة التنافسية الاقتصادية على الصعيد العالمي.
ليس سحراً أو ضرباً من الخيال، إنه الاستثمار فى التعليم "التعليم الجيد"، يا سادة.
"3"
في دولة يحتل التعليم الأساسي فيها المرتبة 149 من تصنيف يشمل 150 دولة لا تحدثني عن خطط للتنمية ولا للتقدم، فلن تنفعك مشاريع قومية ولا بنية تحتية؛ فالبنية التحتية ستنهار لعدم كفاءة مَن يبني، والمشاريع القومية ستخسر لعدم توافر مَن ينفذ بالشكل السليم.
وبدلاً من فرض رسوم من أجل دعم القضاة الذين أعيتهم التخمة وأرهقهم كثرة السفر لقضاء العطلات مع ذويهم في منتجعات سياحية خاصة بهم، وبدلاً من فرض ضريبة مقابل الأمن الذي هو واجب الدولة وعليه يتقاضى موظفو هيئاتها رواتبهم ليكون الدعم لمستحقيه: لطلاب المدارس للجامعات والمعاهد للأسر التي تنفق أقواتها لتدفع مصاريف تعليم أفضل ما يوصف به أنه سلبي ليس على المستوى تُنفَق فيه الأعمار والمحصلة تعرفونها جميعاً.
"4"
إصلاح التعليم عملية مشتركة تشترك فيها الدولة والأسرة والمجتمع ككل، فعلى الدولة أن تعي دورها جيداً، وأن تعي أهمية التعليم فى بناء الوطن، وأنه لا سبيل للتقدم بحال إلا بإصلاح هذه المنظومة، وأن تعمل جاهدة على توفير الاحتياجات والدعم اللازم لعملية الإصلاح، وأن تسخر كل طاقتها فى محاربة الفساد فيه، لأن الفساد هنا إفساد للحاضر والمستقبل.
وعلى الأسرة أن تعي دورها أيضاً، وأن تفهم، لأن دور البيت يتكامل مع دور المدرسة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.