باتت الحكومة العراقية خالية من وزيري الداخلية والدفاع، بعد استقالة الأول قبل شهرين، وإقالة الثاني منذ أسبوع.
المشهد الحالي جاء تكراراً لما جرى إبان ولاية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (2006 – 2014)، فعمد حينها إلى إدارة ملفي الداخلية والدفاع بترشيح موالين له، عبر تكليفهم بالوكالة، متجنباً بذلك موافقة البرلمان.
وفي أغسطس/آب 2011 كلف المالكي "سعدون الدليمي" (سني) بإدارة وزارة الدفاع، قبل أن يتم إسناد وزارة الداخلية بالوكالة إلى الوكيل الإداري عدنان الأسدي (شيعي)، الأمر الذي أصاب الوزارتين السيادتين بشلل كبير حينها؛ نتيجة لعجز الوزير بالإنابة عن اتخاذ قرارات حاسمة.
فهل سيلجأ رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي إلى السيناريو نفسه؟ في ضوء المشهد الحالي الأكثر تعقيداً، حيث تخوض قوات الأمن العراقية مواجهات ضارية لتحرير الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" الإرهابي.. تساؤل بات مطروحاً بقوة على الساحة السياسية العراقية.
الخميس الماضي، صوت مجلس النواب (البرلمان)، لصالح حجب الثقة عن وزير الدفاع خالد العبيدي (عن اتحاد القوى السُنِّي)؛ الأمر الذي يعني إقالته، وذلك على خلفية اتهامات للوزير بالتورط في "ملفات فساد".
وجاء التصويت على إقالة العبيدي، بعد عدة أسابيع، من اتهام الأخير لرئيس البرلمان سليم الجبوري، وعدد من النواب بـ"ابتزازه مالياً" فيا يتعلق بملفات فساد خاصة بعقود استيراد أسلحة، وتزويد قوات الجيش بالمؤن (الغذاء)، وهو الاتهام الذي رفضه القضاء لعدم كفاية الادلة.
كما أنه جاء بعد نحو شهرين على قبول رئيس الوزراء حيدر العبادي، استقالة وزير داخليته محمد الغبان الذي أقدم على هذه الخطوة احتجاجاً على ما وصفه "بالتخبط الأمني" وبسبب "تقاطع الصلاحيات الأمنية وعدم التنسيق الموحد للأجهزة الأمنية، وذلك بعد أيام على الهجوم الانتحاري الذي شهدته منطقة "الكرادة" وسط بغداد، موقعاً أكثر من 300 قتيل، فضلاً عن عشرات الجرحى.
اختلاف في الظروف
لكن ظروف حكومة المالكي الأمنية تختلف عن الظروف الحالية، التي تخوض فيها قوات الجيش العراقي والشرطة، معارك متواصلة في شمال وغربي البلاد ضد "داعش"، ما يجعل البرلمان في أزمة جديدة مع العبادي، الذي يتولى إدارة 3 مناصب حساسة هي الدفاع والداخلية ورئاسة مجلس الوزراء.
ويرى مراقبون أنه، بغض النظر عن ملفات الفساد، التي اتهم فيها "العبيدي"، إلا أن الأخير من الناحية العملية كان يجري زيارات ميدانية يومية مفاجئة للوحدات العسكرية، التي أنهك بعضها الفساد المالي والإداري، ويلتقي الجنود ويستمع إلى مشاكلهم، وهي مهام لن يكون العبادي -بحكم التزاماته بمجلس الوزراء- قادراً على القيام بها إلى جانب عدم خبرته في الجوانب العسكرية باعتباره شخصية مدنية.
وأرجع وزير الدفاع المقال من منصبه، في تصريحات سابقة، سيطرة نحو 700 مسلح من "داعش" على مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى) منتصف العام 2014 وفرار آلاف الجنود والضباط من دون قتال، إلى حالة "الفساد المالي والإداري" في وحدات الجيش.
وبالإضافة إلى الصعوبات العملية والأمنية التي سيواجهها العبادي في حال استمرار فراغ المنصبين، فهناك أزمة سياسية أخرى تنتظره مع المكون السُني، حال إبقاء حقيبة الدفاع خالية من شخصية "سُنية"، مع انطلاق عملية تحرير الموصل، بإشراك فصائل "الحشد الشعبي" (قوات شيعية موالية للحكومة)، وهي أزمة لا تقل عن تلك التي حدثت بعد استعادة مدينة تكريت من قبضة "داعش" العام الماضي تتعلق بعمليات القتل بدوافع طائفية.
تعقيدات مدينة الموصل بتركيبتها السكانية، وتعدد الفصائل المسلحة التي تستعد للمشاركة في عملية تحريرها (السُنية والشيعية) إضافة إلى قوات الحكومة الاتحادية والبيشمركة (جيش إقليم الشمال العراقي) دفع بعدد من القادة السياسيين السُنة والشيعية إلى طلب تأجيل اقالة وزير الدفاع، إلى ما بعد تحرير الموصل، لكن رأي الأغلبية بالبرلمان حسم الموضوع بالتصويت على إقالته.
وحاولت القوى السُنية في الأعوام الماضية تقليص مساحة سيطرة رئيس الوزراء على المؤسسات الأمنية، وعدم تفرده باتخاذ القرارات الأمنية، لكنها جوبهت برفض شيعي مستنداً إلى نص المادة (75) من الدستور العراقي التي تقول إن "رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة، يقوم بإدارة مجلس الوزراء، ويترأس اجتماعاته، وله الحق بإقالة الوزراء، بموافقة مجلس النواب".
وأعلن العبادي، خلال مؤتمر صحفي، الثلاثاء الماضي، عزمه تقديم مرشحين لوزارتي الدفاع والداخلية إلى البرلمان بعد عيد الأضحى، لكنه لم يحدد موعداً واضحاً، فيما أكد أنه "سيبدأ مناقشاته مع الكتل السياسية بشأن التعديل الوزاري".
عضو في ائتلاف دولة القانون (الائتلاف الحاكم) جاسم محمد، يرى أن المشكلة في تسمية وزير جديد للداخلية، تنحصر في تمسك العبادي بترشيح شخصية من داخل الوزارة تحمل رتبة عسكرية، على أن يتم ترشيح الشخصية من قبل كتلة "بدر" (إحدى كتل التحالف الوطني الشيعي).
وأضاف محمد لـ الأناضول، أن "العبادي طلب من رئيس كتلة بدر، هادي العامري، تولي المنصب، وهو ما رفضه الأخير"، حسب قوله.
ويبقّى العبادي مكبلاً بشرط التفاهم السياسي لإقناع كل الأطراف، إزاء أي مرشح ينوي تقديمه للبرلمان لشغل منصب وزير الداخلية أو الدفاع، وهو إجراء يتطلب تقديم تنازلات وضمانات.
خيارات العبادي
تلك تعقيدات قد تدفع بالعبادي إلى إناطة المنصبين إلى وزيرين بالوكالة من دون الحاجة الى موافقة البرلمان، وهو الإجراء الذي اعتمده سلفه نوري المالكي في الحكومة السابقة.
بدوره، قال هوشيار عبد الله (كردي)، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، إن "البرلمان ينتظر من رئيس الوزراء تقديم أكثر من مرشح لوزارتي الدفاع والداخلية لاختيار وزيرين جديدين بالأصالة (وليس بالوكالة)".
وأضاف عبد الله، للأناضول، أن "الإبقاء على إدارة وزارتي الدفاع والداخلية بالوكالة، لا يصب في خدمة الملف الأمني"، مشيراً الى أن "العبادي تحدث أكثر من مرة أنه يرغب بوزراء تكنوقراط غير منتمين للأحزاب، واليوم القرار بيده، عبر تقديم مرشحين مستقلين يمتلكون الخبرة والكفاءة لإدارة الملف الأمني".
ومنذ يونيو/حزيران 2014، يخوض العراق حرباً ضد تنظيم "داعش" لاستعادة أراضيه، والتي نجح في تحرير أجزاء كبيرة منها حتى اليوم، وتعهد باستعادة "الموصل" (شمال)، قبل نهاية العام الجاري.