بعد ساعات على تفاقم أزمة لبن الأطفال في مصر، أعلن وزير الصحة، أحمد عماد، الخميس الأول من سبتمبر / آيلول 2016، أن القوات المسلحة ضخت 30 مليون علبة لبن للأطفال بالصيدليات بأسعار 30 جنيها للعبوة بدلا من 60 جنيها، بحسب ما نشره موقع "البوابة نيوز" المصري.
وكان مئات الآباء والأمهات المصريين قد تظاهروا أمام مستشفى معهد ناصر على كورنيش النيل بالقاهرة، وأغلقوا الطريق من الاتجاهين، احتجاجًا على رفع أسعار لبن الأطفال المدعم ورفض الشركة الحكومية صرفه؛ ما أدى إلى شلل مروري تام، وإغلاق الشركة أبوابها خوفًا من رد فعل المحتجين.
وقال أحد المحتجين لـ"عربي بوست"، رفض ذكر اسمه، إنهم فوجئوا بارتفاع ثمن عبوة لبن الأطفال من 17 إلى 60 جنيهاً، (من 1.5 إلى 6.5 دولار بالسعر الرسمي) في الصيدليات بعد رفع الدعم عنه، بالإضافة إلى عدم توافرها وصعوبة الحصول على اللبن الذي مازال مدعماً من الدولة ، منتقدين رفع الدعم عن لبن الأطفال الرضع الذي يباع في الصيدليات بدعاوى تحسين أحوال الاقتصاد.
وأكد محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أنه بدأ اليوم الخميس صرف ألبان الأطفال المدعمة بمنافذ وزارة الصحة ومراكز الأمومة والطفولة للمواليد سن يوم إلى 6 أشهر بـ5 جنيهات بدلاً من 3 جنيهات، بزيادة قدرها 40% وكذلك صرف الألبان للأطفال الأكبر من 6 أشهر بـ26 جنيهًا بدلاً من 18 جنيهًا، مشيراً إلى الألبان غير المدعمة تم رفع سعرها أيضاً من 15٪ إلى 30%.
وزير الصحة
وقال وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين، في تصريحات صحفية، إن الهدف من مشروع سمّاه "منظومة ميكنة صرف ألبان الأطفال المدعمة"، الذي ارتفعت بموجبه الأسعار، هو "دعم وتشجيع الرضاعة الطبيعية"، نافياً وجود أزمة في ألبان الأطفال المدعمة في مصر، مشيراً إلى وجود مخزون من الألبان يقدر بـ18 مليون علبة، ومؤكداً أن الدولة تدعم ألبان الأطفال بـ450 مليون جنيه.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة والسكان د. خالد مجاهد، إن وزير الصحة البدء في صرف الألبان بوحدات الرعاية الأساسية من اليوم الخميس عن طريق الكروت الذكية "لضمان وصول الدعم لمستحقيه"، وبعض الآباء والأمهات لم يستخرجوا هذا الكارت بعد.
وكشف رئيس الشركة القابضة لتجارة الأدوية د. عادل طلبة أن أحد أسباب الأزمة قرار لوزير الصحة بوقف بيع الألبان المدعمة في منافذ الشركة المصرية لتجارة الأدوية، وحصر توزيعها بوحدات الرعاية الأساسية، بهدف غلق الباب أمام سماسرة السوق السوداء.
طوابير طويلة
ويصطف مئات المصريين البسطاء يومياً، في طوابير طويلة أمام مقر "شركة الأدوية" على كورنيش النيل بمنطقة شبرا شمال القاهرة، أملاً في الحصول على علبة لبن أطفال مجفف مدعم، بسعر 3 جنيهات (حوالي ثلث دولار)، لعدم قدرتهم على شراء الأنواع الغالية من الصيدليات بسعر 60 و70 جنيهاً (حوالي 6 إلى 8 دولارات).
"مضطرة أقف بطفلي الرضيع في هذا الطابور الطويل والشمس والأتربة كي أحصل على علبتي لبن مدعم، تكفي طفلي أسبوعاً؛ لأنني غير قادرة على شراء غير المدعم الذي يصل سعره الى 70 جنيهاً للعلبة الواحدة، فزوجي عامل بسيط أجره 800 جنيه بينما شراء اللبن غير المدعم من السوق يكلف وحده أكثر من 1000 جنيه في الشهر"، هكذا تقول فاطمة أحمد الزوجة الشابة والأم لثلاثة أطفال لـ"عربي بوست".
وتضيف باللهجة المصرية: "عمري ما بلاقي اللبن المدعوم أبو 17 جنيه في الصيدليات، وأقل علبة لبن أطفال بـ50 و70 جنيه، ومضطرة للاعتماد على لبن الأطفال الصناعي لتغذية ولدين".
وفاطمة واحدة من آلاف الأمهات والآباء الذين يقفون في طوابير لا تنتهي ويجدون صعوبة بالغة في الحصول احتياجات أبنائهم من اللبن الصناعي، في الوقت الذي تشهد فيه الصيدليات نقصا حادا في لبن الأطفال المدعم من وزارة الصحة والذي يباع بـ 17 جنيها للعلبة، مقابل 70 جنيها للأنواع غير المدعمة.
نقص استيراد لبن الأطفال
ما زاد الأزمة قرار لوزارة الصحة تخفيض حصة ألبان الأطفال المستورد من 23 مليون علبة عام 2015، إلى 13 مليوناً فقط عام 2016، بحسب مصدر بوزارة الصحة، ضمن خطة تقليص الدعم لأن الألبان مستوردة من الدنمارك وسويسرا وأميركا، ففتحت بذلك مجالاً للسوق السوداء، وتزاحم غير عادي للآباء والأمهات في محاولة لاقتناص علبة لبن أطفال مدعم.
وبالمقابل ينفى مصدر مسؤول بوزارة الصحة، لـ"عربي بوست" وجود أي أزمة بألبان الأطفال المدعمة، وقال إن هناك 15 مليون علبة في المخازن، والمخزون يكفي من 4 إلى 7 أشهر، موضحاً أن البنك المركزي يعطي أولوية لاستيراد ألبان الأطفال.
ويرجع الطوابير لرخص الأنواع التي تصرفها الحكومة مقارنة بسعرها في السوق العادي، وقيام تجار السوق السوداء، و"مافيا" بعض شركات استيراد الألبان من أصحاب المصلحة بتأخير عمليات الاستيراد حتى يستطيعوا تحقيق أرباح أكبر من بيع الأنواع غير المدعمة.
ويؤكد أن وقف البيع عبر هذه المنافذ الحكومية للشركة وقصرها على وحدات رعاية الأطفال وبالكروت الذكية، وراء مظاهرات اليوم، حيث فوجئ الأهالي بمنع البيع لهم.
بدوره يقول الصيدلي ياسر نور إن جزءاً من الأزمة يعود لوقف الحكومة استيراد اللبن المدعم الذي يباع في الصيدليات بسعر 17 جنيهاً، ويمثل بديلاً معقولاً للأسر الفقيرة بدلاً من الأغلى سعراً الذي يبلغ ما بين 50 الى 70 جنيهاً للعلبة.
ويضيف لـ"عربي بوست" أن عثور الأسر الجديدة على اللبن المدعم بسعر 3 جنيهات من مقر الشركة الحكومية يكاد يكون من رابع المستحيلات، وأنه يمكن الحصول عليه بعد وقوف في الطوابير يستغرق نصف يوم وبموجب شهادة ميلاد الطفل.
وتباع عبوة ألبان الأطفال الرضع المدعمة لعمر أقل من 6 شهور تباع في حدود 3 جنيهات، ويبلغ قيمة الدعم في العبوة الواحدة التي تتحملها الحكومة نحو 18 جنيهاً، فيما تباع العبوة المدعومة جزئياً للأطفال فوق الـ6 شهور بنحو 17 جنيهاً.
ويقول مجدي مصطفى، موظف بالشركة المصرية لتجارة الأدوية المستوردة للبن الأطفال: إنه يتم صرف اللبن المدعم بسعر 3 جنيهات للأطفال الرضع بموجب شهادة الميلاد، أما الأطفال الأكثر من 6 شهور فتصرف لهم نوعية ذات دعم جزئي بسعر 18 جنيهاً.
ويشكو الكثير من الآباء الواقفين في الطوابير الطويلة من اختفاء عبوات اللبن المدعم من الصيدليات، واضطرارهم للوقوف في طوابير أمام الشركة الحكومية، وقدومهم من مناطق بعيدة للحصول على حليب الأطفال المدعم، لأنهم لا يستطيعون شراء اللبن غير المدعم لارتفاع أسعاره.
الحكومة ترفض إنشاء مصنع
ويتهم الدكتور محيي عبيد، نقيب الصيادلة، الحكومة بأنها سبب الأزمة لأنها رفضت إنشاء مصنع لإنتاج الألبان في مصر، بدلاً من استيرادها والقضاء على الأزمة بشكل جذري، مشيراً إلى أن مصر تستورد سنوياً بما يتجاوز مليار جنيه لبن أطفال من دول مختلفة، في حين أن تكلفة إنشاء المصنع لا تتجاوز 100 مليون جنيه وتنتهي الأزمة.
ويقول د. عبيد إن الأسر المصرية تحتاج الى 60 مليون علبة لبن شهرياً، بينما دعم الدولة يوفر 25 مليون عبوة شهرياً فقط.
ويقول الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إن أزمة ارتفاع الدولار ساعدت على تفاقم الأزمة؛ خاصة أن 80% من احتياج المواطنين من الألبان المستوردة التي ارتفع سعر استيرادها.
ويبقي الواقفون في الطوابير، والمتظاهرون في الشوارع، لا يهمهم سماع كل هذه التفاصيل حول أسباب نقص لبن الأطفال أو ارتفاع سعره بسبب ارتفاع سعر الدولار أو رفع الدعم بموجب قرارات صندوق النقد الدولي، فكل ما يريدونه هو علبة لبن صناعي لطفلهم بدونها قد يتأثر نموه، في ظل تحايل أسر على نقص اللبن واستعمال أعشاب للأطفال.