ما زالت الرسائل الإعلامية من جَميع الوسائل من التلفزيون، وصولاً إلى مَواقع التواصل الاجتماعي، تؤثر بشكل كبير على الجمهور، فيصدقها البَعض، وتُثير الشكوك لدى البعض الآخر؛ لتجعلهم يُراجعون آراءهم مرة أخرى أو يغيرونها، فهي تَصنع الرأي العام وتخلق الحَقائق، وإن لم تكن مَوجودة، فالتطور الكبير في نوعية الصورة والصوت مَع سُرعة النشر على كل الوسائل الأخرى، كالمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل وغيرها، جَعل الرسائل الإعلامية أكثر تأثيراً وقدرة على اختراقِ العقول، وبغض النظر عَن إيجابيةِ مَضمون الرسالة أو سلبيتها.
فالرسائل الإعلامية تُؤثر على فئتين من الجمهور:
الفئة الأولى: غير المتعلمين: وهم الذين لم يُكملوا أي مَرحلة دراسية ولديهم نقص في المعلوماتِ العلمية والثقافية؛ لأنهم قليلو الاطلاع مَع قُدرة مُتوسطة على البحث في مَصادر المعلومات، فَهم يُمضون أكثر يَومهم في العمل أو أي شيء آخر، بالتالي عند عَرض الرسائل الإعلامية لجانب واحد من الحقيقة وإخفاء باقي الجوانب بسبب سياسيةِ الوسيلةِ الإعلامية أو تحقيقاً لأهداف أخرى، تتأثر هذه الفئة بشكل كبير وتُصدقها، بل وتَصنع رأياً حول ما يُعرض؛ لأنهم يَعتبرون أن أي مَعلومة من وسائل الإعلام صَحيحة في الغالب، إضافة إلى أساليب التأثير التي تَستخدمها وسَائل الإعلام لتقوي رسائلها الإعلامية.
الفئة الثانية: المتعلمون غير المطلعين: وتتكون من أصحاب الشهاداتِ الجامعية والشهاداتِ العليا وأصحاب الخبرات في كل المجالات، مثل المهندسين والأطباء والمحامين وغيرهم، فهؤلاء يَملكون مَعلومات علمية وثقافية بنسبة جيدة، ولكن أكثرها في تخصُصِهم وقليل مِنها في اختصاصات أخرى، مَع وجود قُدرة على البَحث في مَصادر المعلومات والقراءة عنها بشكل أوسع لفهم ومَعرفة كُل جَوانب الحقيقة في الرسالة الإعلامية.
بالتالي تأثير الرسائل الإعلامية عليهم أقل وطأة، فهم لا يَصنعون أي رأي بشكل مُباشر؛ لأنهم يفضلون الانتظار والاطلاع على وسائل الإعلام الأخرى، وذلك لمعرفتهم أن احتمال الخطأ والصواب وارد في كُل شيء، ولكن قد يُصيبهم الشك والحِيرة في ما ذُكر في الرسالة الإعلامية، ولكن تتأثر هذه الفئة بشكل كبير بأساليب تأثير وسائل الإعلام، فطرق العرض المُختلفة بالصورةِ والصوت، واستطلاعاتِ الرأي واستخدام لغة الأرقام، وعرض ردود فعل المواطنين تجاه قضية أو قرار وغيرها، وتكرار الرسالة الإعلامية خلال مدة زمنية والتركيز عليها، تكون أكثر تأثيراً حتى من المعلومات داخل الرسالة الإعلامية.
إن الفرق في تأثير الرسائل الإعلامية على الفئةِ الأولى غير المتعلمين، يكون في نقصِ المعلومات العلميةِ والثقافيةِ والقدرةِ المتوسطة للوصول إلى مَصادر المعلومات، أما تأثير الرسائل الإعلامية على الفئة الثانية المتعلمين غير المطلعين، في عَدم مَعرفة أساليب تأثير الرسائل الإعلامية، بذلك تكون النتيجة، الرسائل الإعلامية تُؤثر على الفئتين بأسلوبين مُختلفين، وسَبب في ذلك هو أن الجُمهور بفئتيه لا يملك "التحصين" الكافي ضد تأثير الرسائل الإعلامية.
ولخلقِ جمهور مُحصن ومُدرك لتأثير الرسالةِ الإعلاميةِ يَجب أن يَتم تعليمهُم وتَثقيفهُم عن طريق إضافة مادة دراسية في "التربية الإعلامية" تكون بَسيطة ومُختصرة مَع أمثلة مِنَ الواقع، ولكل المراحلِ الدراسية وصولاً إلى المراحل الجامعية؛ لتعليم الجمهور كيفية التمييز بين الرسائل الإعلامية الجادة الرسمية والتجارية الربحية، والبَحث عن مَصادر المعلومات، وعَدم اعتماد أي مَعلومة قبل التأكد مِنها من وسائل أخرى، والتفكير قَبل اتخاذ الرأي تجاه أي قضية، والتعرف على أساليب تأثير الرسائل الإعلامية، هذه التربية الإعلامية تُحصن العُقول، وتصنع جُمهوراً لا يمكن التأثير عليه بسهولة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.