“الفول” ونظرية المؤامرة “تدوينة ساخرة”

لا أعرف هل ادعوا على الفول أم ادعوا على صانعيه، ولكن لا يجب أن نجحف ذلك الفول مكانته، فلولاه لما كنا كما نحن الآن، ومن يعرف لو توقفنا عن أكل الفول فقد نصبح مثل سوريا والعراق.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/31 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/31 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش

لتتخيل عزيزي القارئ أن الإنسان المصري إذا استيقظ يوماً ولم يجد "الفول"، فماذا يفعل؟، وكيف له أن يكمل حياته؟ وإلى أي مدى يستطيع المقاومة والبقاء ومواجهة الانقراض؟ وإذا خرجت علينا اقتراحات من قبل (فإن لم يجد فول ياكل جبنه شيدر أو نستو)، فعلى صاحب الاقتراح أن يتوقع مصير ماري أنطوانت، واذا نجح الإنسان المصري في التأقلم واستطاع إيجاد بدائل أخرى، واستخدام أنواع مختلفة من البقوليات، فهل تستطيع تلك البقوليات البقاء لتلك الفترة في المعدة وسد احتياجات المصريين من الشعور بالخمول والارتخاء؟

يعد طبق الفول الوجبة الرئيسية في مصر، لا ينازعها في اعتلاء عرش المأكولات في مصر سوى "الكشري" المصري، من المستحيل أن تجد مصرياً لم يأكل "فول" في حياته، وقد تكون من المستحيلات أن تجد مصرياً ينتمي للطبقة المتوسطة أو الأقل من المتوسطة لم يتناول على الأقل 4 – 5 أطباق فول أسبوعياً.

لا يخلو شارع في مصر من عربة فول فهي من معالم الشارع المصري، مثل الازدحام والقمامة واصطفاف السيارات في غير المكان المخصص، كما أن عربات الفول هي من أكثر الأمور المدرة للدخل للسادة أمناء الشرطة والمرافق والمرور.

لم يكن اختيار الفول كوجبة رئيسية أمراً نابعاً من الفراغ، فالفول يمتاز بأنه بروتين نباتي يستعيض به المصريون عن اللحوم لرخص ثمنه، ولكن الفول يمتاز عن غيره من البقوليات بصعوبة الهضم وبقائه لمدة طويلة في المعدة، مما يقلل من الشعور بالجوع، ولهذا فهو الوجبة الرئيسية في مصر، وبالإضافة لبقائه أطول فترة في المعدة، فهو يساعد على سحب الدم من المخ حتى تستطيع المعدة بذل الجهد اللازم لهضم ذلك الزلط المسمى بالفول، وهذا يصيب الإنسان بالخمول، ولهذا فلا تجد موظفاً حكومياً في مصر لا يأكل أقل من طبق فول يومياً وإن كان طبق واحد لا يكفي للوصول لتلك الحالة من الكسل والخمول التي يمتاز بها موظفو القطاع الحكومي في مصر، وأي نظريات أو دراسات تحاول إثبات عكس ذلك أو تدعي أن الفول يسبب النشاط الصحي أو العقلي.. فلتعلم عزيزي القارئ أن واضع تلك النظرية لم يأكل الفول على الطريقة المصرية، ولو مرة في حياته.

وما الذي سوف يحدث لتلك الأمة ذات الـ7000 سنة حضارة إذا كان ما يأكله المصريون سريع الهضم لا يصيب المصريين بالكسل والخمول، ويساعد على انتعاش الدماغ ووصول الدم للمخ؟… نعم ماذا سوف يحدث إذا أمعن المصريون في التفكير واتجهوا التي التحليل والمنطق؟ هل سوف يبقى الوضع كما هو عليه أم أننا سوف نواجه مصيراً قد يودي بتلك الحضارة؟!

لا أريد أن أتجه إلى اتهام الفول بأنه وسيلة من وسائل التغييب وقمع الثورات والقضاء على الأفكار، ولكنه كان أهم غذاء قامت عليه تلك الأمة، وأقدم غذاء تتوارثه الأجيال منذ الفراعنة.

ومع كل ما سببه الفول ويسببه للمصريين، استطاع الفول أن يكسب قلوب المصريين وبشدة حتى وصل إلى أن تلحن الأغاني وتصاغ الكلمات لذلك الطبق، فقد غنى محمد قنديل وهو أحد المطربين الشعبيين زائعي الصيت في مصر للفول المدمس، وقال (المدمس.. ما تقول كويس.. اللوز يا ريس)، ولا أعرف كيف استطاع كاتب الكلمات أن يقتنع بما كتب، فكيف يكون الفول "لوز"؟ ولكن بطبيعة الحال نحن نأكل الفول ولن نقف عند التفاصيل.

لا أعرف هل ادعوا على الفول أم ادعوا على صانعيه، ولكن لا يجب أن نجحف ذلك الفول مكانته، فلولاه لما كنا كما نحن الآن، ومن يعرف لو توقفنا عن أكل الفول فقد نصبح مثل سوريا والعراق.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد