على غرار آلاف الزوار الذين يحتشدون بمعرض السجاد الفارسي بطهران، لم يستطع محمد شراء السجاد الفاخر، بل كان يريد ببساطة ملامسة تلك الأعمال الفنية اليدوية الرائعة.
فقد أمضى محمد البالغ من العمر 56 عاماً عقدين من الزمان في تصدير المنتج الإيراني الأكثر رواجاً والأعلى صيتاً إلى أميركا. ومع ذلك، فقد اضطر إلى ترك تلك المهنة عام 2010 بعد أن امتدت العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على إيران لتشمل السجاد الفارسي والفستق والكافيار.
تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نقل عن محمد، قوله: "يساعدني النظر إلى ذلك السجاد متقن الصنعة على الشعور بالاسترخاء. يمكنني البقاء هنا لمدة ساعة لتفحص كل قطعة على حدة".
كانت الولايات المتحدة بمثابة السوق الإيراني الرئيسي لبيع السجاد الفارسي وتسببت العقوبات في انخفاض إجمالي صادرات السجاد بنسبة 30%، ويعني الحظر عدم قدرة أي مواطن أميركي على شراء أو بيع أو استيراد السجاد الفارسي حتى لو تمت عملية الشراء خارج إيران.
انتعاش صادرات السجاد
والآن ومع رفع العديد من العقوبات الغربية في أعقاب توصل طهران إلى اتفاق نووي تاريخي مع القوى الغربية خلال العام الماضي، تنتعش صناعة السجاد للغاية مع تزايد المبيعات إلى الولايات المتحدة.
تزايدت صادرات السجاد الفارسي بنسبة 39% خلال الشهور الأربعة حتى 21 يوليو/تموز، حيث كان المشترون الرئيسيون من الأميركيين المحبين للصناعة. وتوفر الزيادة فرصة نادرة أمام إيران وسط تصاعد الإحباطات بشأن تخوّف الشركات الأجنبية من استغلال فترة ما بعد رفع العقوبات وتوفير الحصة الاقتصادية التي تتوقعها إيران.
حامد كارجار، مدير المركز القومي للسجاد الإيراني المسؤول عن السجاد اليدوي، قال: "يتمثل السبب الرئيسي للزيادة في رفع العقوبات الاقتصادية".
ويضيف أنه لم تكن هناك أي صادرات سجاد إلى الولايات المتحدة خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2015؛ ومع ذلك بلغ حجم الصادرات 27 مليون دولار خلال نفس الفترة من هذا العام.
ويذكر حامد رضا زولنفري، أثناء تواجده بالمعرض حيث يعرض 700 مجموعة متنوعة للغاية من السجاد اليدوي المصنوع في مختلف أنحاء البلاد على أيدي نحو مليون عامل، أنه لا يزال هناك فرصة كبيرة للنمو بالولايات المتحدة.
ويعمل حامد مديراً تنفيذياً لشركة زولنفري لصناعة السجاد التي تعمل في ذلك المجال منذ نحو قرن من الزمان، وتمتلك فروعاً في الولايات المتحدة والصين وألمانيا وسويسرا وجنوب إفريقيا. فقد باعت الشركة سجاداً بقيمة 250 ألف دولار إلى الولايات المتحدة منذ يناير/كانون الثاني، مقارنة بصادراتها السنوية البالغة 8 ملايين دولار.
ويوضح زولنفري أن عدم رغبة البنوك الغربية في العمل مع إيران يمثل مشكلة، حيث يناضل التجار للتوصل إلى سبل لتحويل الأموال فيما بين إيران والولايات المتحدة.
ورغم التوصل إلى اتفاق نووي، تحتفظ الولايات المتحدة ببعض العقوبات المفروضة على إيران لرعايتها المزعومة للإرهاب الإقليمي. وقد أدت تلك العقوبات إلى تخوف البنوك من التعامل مع إيران خشية أن تساعد في غسيل الأموال بغرض تمويل الإرهاب أو اقتراف الجرائم المالية.
زولنفري قال: "لم يكن لدينا وسيلة للوصول إلى السوق الأميركية ولا نعرف ماذا يدور بداخله ومدى تغير الذوق الأميركي".
ويضيف أن معرض السجاد بنيويورك خلال الشهر القادم سيكون بمثابة اختبار هام لقدرة الصناعة الإيرانية على الاستفادة من مكاسبها الأخيرة.
وتابع: "ربما تكون المحاولة الأولى لاختبار حجم الحصة التي يمكن لإيران الحصول عليها داخل السوق الأميركي".
وسيتم هذا الاختبار داخل سوق عالي التنافسية. وقد استغل المنافسون في بلدان مثل باكستان والهند وأفغانستان والصين تلك العقوبات من أجل دعم صادراتها.
ويذكر محمد رضا حبيبيان، وهو يجلس أعلى كومة من السجاد اليدوي تصل قيمتها إلى 964 ألف دولار، أن المصدرين بتلك البلدان يستطيعون إنتاج سجاد بقيمة 40 دولاراً لكل متر مربع، "ولكني لا أستطيع القيام بذلك بتكلفة أقل من 100 دولار للمتر المربع".
وهناك تحديات أخرى أيضاً. فقد تراجعت المبيعات إلى أوروبا جراء الأزمات الاقتصادية التي تواجهها القارة، بينما أدى الربيع العربي وانعدام الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط إلى تراجع الصادرات إلى ذلك الإقليم.
الأغلى في العالم
وبينما بدأت وفود السياح في زيارة الجمهورية الإسلامية منذ تولي حسن روحاني شؤون الحكم عام 2013، لم يستطيعوا استخدام بطاقات الائتمان في شراء السجاد الفارسي – الأغلى ثمناً على مستوى العالم – نظراً لعدم وجود بنوك دولية.
ومع ذلك، يعتقد الإيرانيون أن السجاد الذي ينتجونه لا مثيل له.
ويقول كارجار: "مثلما يفضل محبو السيارات طراز مرسيدس بنز على كيا برايد ويدفعون أموالاً طائلة للحصول عليها، يسدد محبو السجاد قيمة السجاد الفارسي بسبب جودته وقيمته العالية وتاريخه وأصالته وتنوع تصميماته".
ويستعرض حبيبيان قطعة من السجاد المتميز من مدينة ناين المجاورة لأصفهان التي استغرق تصنيعها 4 سنوات ونصف السنة.
ويقول: "ربما تستغرق صناعة سجادة بهذا الحجم عاماً ونصف العام. ولكنك تعرف سبب كل هذا الوقت الطويل هنا؟ السبب هو أن كل عقدة تتم حياكتها بالحب ويعمل النساجون على صناعتها بإخلاص شديد".
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Financial Times البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.