أعلنت محكمة بئر السبع الإسرائيلية الأحد 28 أغسطس/آب 2016 تأجيل جلسة المحاكمة للمهندس وحيد البرش أحد موظفي وكالة الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) من قطاع غزة، والمتهم باستغلال عمله في تحويل بعض المشاريع والأموال لحركة حماس إلى 29 سبتمبر المقبل.
وأكدت محامية البرش ليئا تسيمل في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أنه "فعلياً لا يوجد شيء في المواد المقدمة لتوجيه أي تهمة إليه، فهو بريء، أنا متأكدة من ذلك تماماً".
وكانت الأمم المتحدة وجهت بياناً شديد اللهجة لإسرائيل الخميس الماضي أكدت فيه "أن السيد البرش يتمتع بحصانة من الاعتقال وإجراءات قضائية في سياق أعمال نفذها أثناء تأدية عمله".
وخلال نحو أسبوعين فقط اعتقلت إسرائيل اثنين من العاملين في مؤسسات الإغاثة الدولية في قطاع غزة عبر معبر "إيرز" بعد توجيه اتهامها لهم بتمويل حركة حماس، وذلك وسط تشديد ترتيبات العبور للعاملين بهذه المؤسسات وكذلك إجراءات التوظيف داخلها.
وكانت إسرائيل قد اتهمت ابن غزة الذي يعمل مديراً لفرع منظمة "World Vision" الأميركية بالقطاع محمد الحلبي في 15 يوليو/تموز 2016 بتحويل مبلغ 50 مليون دولار لحركة حماس، بعد أسبوعين من اعتقاله للمواطن وحيد البرش العامل في وكالة الأمم المتحدة للتنمية (UNDP)، واتهامه أيضاً للعمل لصالح حركات المقاومة الفلسطينية.
كارثة إنسانية
مدير المرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده قال لـ"عربي بوست" إن المؤسسات الدولية "منعت حدوث كارثة إنسانية في قطاع غزة حيث لم يتبق للسكان سواها، وإسرائيل تريد أن تحرم سكان غزة من هذه المؤسسات، لتزيد من معاناة الناس وسيطرتها عليهم بهدف قهرهم وإخضاعهم لرغباتها وفق سياسة استعمارية مارسها كل المستعمرين في السابق".
وأضاف عبده أن هذه الإجراءات لها تداعيات كبيرة على مستوى عمل المنظمات الدولية في قطاع غزة لوجستياً وعلى مساحة عملها، وتمس بقدرتها على جلب الأموال وجمعها لأجل تقديم برامجها الخيرية، مما يؤثر بشكلٍ أساسي على المنتفعين من برامج تلك المؤسسات الذين سيستهدفهم القرار بشكل مباشر، "مما يزيد من معاناة الناس في غزة الواقعين تحت الحصار".
وبدوره اعتبر الصحفي الاقتصادي محمد أبو جياب أن ما وقع "عبارة عن لعبة إسرائيلية للتحكم في كل شيء داخل أو خارج غزة، ونتيجة لذلك بدأت منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تعدِّل في إجراءات التوظيف لديها".
وأكد في تصريح لـ"عربي بوست" أن موظفي المنظمات والمتعاقدين معها لتنفيذ أعمال ومشاريع في قطاع غزة باتوا يخضعون للفحص الأمني والموافقة الإسرائيلية قبل التعاقد، "وهو ما يعني مستقبلاً نجاح المخطط الإسرائيلي الرامي لترسية العطاء على شركات إسرائيلية يتم من خلالها تعيين موظفي المنظمات الدولية في غزة بعد الفحص الأمني"، على حد قوله.
يفرض على المؤسسات الدولية العاملة في غزة من قبل الدول المانحة القيام بإجراءات تدقيق معمقة لضمان عدم حدوث مثل تلك الادعاءات التي وجهتها إسرائيل لموظفيها الذين اعتقلتهم.
وكانت مؤسسة "World Vision" قد أكدت في بيانها حول الحادثة بأنها تُجري تدقيقات مالية دورية لبرامجها المنفذة في القطاع منذ بداية عملها به وببقية الأراضي الفلسطينية، مفندةً اتهامات إسرائيل.
المؤسسة الدولية والتي بدأت أنشطتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1975، هي مؤسسة أميركية تعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة لتنفيذ مشاريع خيرية، حيث يعمل فيها 150 شخصاً في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، لمساعدة نحو 560 ألف شخص، وقد ساعدت في عام 2015 وحده 92 ألف طفل فلسطيني.
غير منطقي
وشكّكت المؤسسة في اتهامات إسرائيل لمدير فرعها بغزة محمد الحلبي بتحويل 50 مليون دولار لحركة حماس، حيث قال مديرها كيفين جنكينز في حديث مع موقع "المونتور" إنه " نظراً لخطورة الادعاءات، قامت (World Vision) بتعليق عملياتها في غزة.. لم نر حتى الآن أياً من الأدلة التي تدين الحلبي، وهذه الأرقام مبالغ فيها".
وأكد جنكينز أن الحلبي أصبح مديراً لفرع غزة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، وليس في عام 2012 كما قالت إسرائيل، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الحلبي "كان لديه صلاحية التوقيع على ميزانية مشروع بحد أقصى 15 ألف دولار أميركي".
وأضاف أن الموازنة التشغيلية المتراكمة للمؤسسة بغزة في السنوات العشر الأخيرة كانت قرابة 22.5 مليون دولار "وهذا يجعل من الصعب تفسير المزاعم بتحويل 50 مليون دولار إلى حماس".
وحول مستقبل المؤسسات الدولية العاملة في غزة، قال الخبير الاقتصادي معين رجب لـ"عربي بوست" إن هذه الحلقة تعد "الأخطر من حلقات الحصار على غزة، حيث أن الدور الأساسي للمؤسسات الدولية العاملة في غزة هو الإغاثة مع بعض المشاريع التنموية الصغيرة، وفي حال توقف عملها ستحدث كارثة إنسانية حقيقية".
وأشار إلى أن نسبة البطالة ارتفعت حتى وصلت 60%، "والفقر المدقع يتزايد بشكل مضطرد في غزة، وكان لهذه المؤسسات دور مهم في منع حالة الانهيار التام للقطاع".
إغاثة بدلاً من التنمية
وتابع بأن "هناك خللاً كبيراً في العملية التنموية الفلسطينية منذ اتفاق باريس الاقتصادي كنتيجة عن اتفاق أوسلو، إذ إن المساعدات الدولية الرسمية وغير الرسمية المقدمة للفلسطينيين تأتي في إطار الإغاثة على حساب التنمية، لذلك كان الاقتصاد الفلسطيني تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي".
ونبّه المتحدث إلى "تنصل الإسرائيليين من كافة الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة مع السلطة مثل إيرادات المقاصة، والسلع الصادرة والواردة، ما يجعل الوضع دائماً كارثياً".
وكانت وزارة الخارجية في قطاع غزة دعت المؤسسات الأممية والدولية والدول المانحة وكذلك المؤسسات الأجنبية العاملة في القطاع إلى "عدم التسليم بالأكاذيب الإسرائيلية التي بالغت في تضخيمها من أجل تسويقها دولياً، لتشديد الحصار على الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال"، على حد تعبيرها.