في المجتمعات الغربيةِ المتقدمة التي تثير إعجابنا بكل إيجابياتها
ونحاول أن نقلدها ونواكبها في تطورها الإنساني والعلمي والمعرفي
والاقتصادي وكل شيء تقريباً يلفت انتباهنا قلدناه، ولكننا لم نقلدهم في
ما يميزهم عنا بكل بساطة، ألا وهو العدل والشفافية ومحاربة الفساد، ولعل
الأخيرة أهمها.
حيث تجد أن الدول المتقدمة تُحمِّل المواطن أولاً مسؤولية عدم الإبلاغ عن
الفساد في حال اكتشافه في مؤسساتهم وشركاتهم، بدءاً من الصغيرة إلى مؤسسات الدولة حتى أعلى سلطة في الرئاسة، وإن كانت لحقبة وزارة معينة تجدها في صفحات الجرائد الأولى والمحطات المحلية التابعة للدولة، ويناقشونها
إعلامياً بكل شفافية مع مواطنيهم مهما كان نوع الفساد. كما يتوجب عليهم
-حسب الدستور- إطلاع المواطن بالنتائج بكل شفافية؛ لأنهم مؤمنون أن
المواطن هو الأهم وهو المتأثر الأول بالفساد، والشفافية مطلب رئيس في
إدارتهم..
فمثلاً قد يُساءل رئيس الوزراء وقد يستقيل ويُحاسب وقد يُسجن
في حال ثبت ضلوعه في قضية فساد أو التستر عليها، هم لا يحكمون بالشرع
ولا يعترفون بملة ولا دين.. ولعل هذه مآخذ الكثير عليهم في النقد!
وقوانينهم وضعيه وتتغير باستمرار في حال ثبت عدم جدواها في نفع المواطن
أو تؤثر عليه، وفي دولهم يتساوى جميع المواطنين في الحقوق والواجبات
ويُطبَّق القانون بصرامة على القوي قبل الضعيف، حتى الضرائب لا يتساوى الغني
والفقير فيها؛ فتجد الضرائب التي يدفعها الفقير أقل.
إن الفساد آفة تهدم المجتمع وتعرقل حركة النهضة والتقدم وتسلب الأفراد حقوقهم النظامية، مما يؤدي إلى الاحتقان والظلم الذي لا يحمد عقباه.. لذلك تجد الغرب حريصاً على محاربته.
أما عربنا فالفساد الذي يرتع ليلاً نهاراً في أوطاننا وينخر في عظام
أبنائها ويضعف الدُول ويتسبب في دمار دول عدة، فهو بالتأكيد منبع لظلم
المواطن وتهميشه، حيث تجد الموطن البسيط على المقهى مثلاً يناقشه، أو قد
تجدهم يناقشونه في المجالس، أو يتطور الوضع قليلاً لمناقشته على استحياء
مقزز في الإعلام! أو وسائل التواصل الاجتماعي وهي كثيرها والتي أهمها
تويتر وفيسبوك.
وأغلب قضايا المواطن تجدها لا تعالج هذا الظلم بل يقضي عمره في الانتظار
والدعاء! وإذا ما لجأ للمسؤول تجده (اعمل نفسك شجرة) ولكن تجده يتسارع
الخطى في حال (منشنه أحدهم ليتيم في تويتر) فيهب كالبرق ليلتقط صوره
ويهدي ويتصور ومن ثم حدث ولا حرج!.. لكن إياك أن تحرجه وتحدثه عن الفساد، فهو خط أحمر وموضوع أكبر منك، وقد لا يجد لك وقتاً كما لم يجد لـ90 ألف مواطن قبلك.
بعض الأنظمة العربية تنافس داعش بدعشنتها في إرهاب مواطنيها، فإذا شكى
المواطن الضعيفُ القويَّ أو انتقده أو طالب بحق من حقوقه من أي جهة
مفسدة أو مسؤول لم يشرف منصبه الذي كُلف فيه، يجد المواطن بوجهه ألفَ بابٍ
من المفسدين، فسرعان ما تكون دفاعات الفاسد جاهزة لتمسخك كاذباً أو
مجنوناً أو عميلاً أو عدواً أو خائناً أو.. أو.. تطول قائمة الاتهامات لك..
أنتَ مدانٌ في أغلب الحالات إن لم يكن كلها في حال كان خصم المواطن فاسداً مسنوداً؛ لأن قانون الغاب يحكم، فالفساد ليس متعلِّقاً بشخص أو عشرة هو شبكات متداخلة ببعض تنافس المافيا الإيطالية بسريتها؛ لذلك عربنا تعلم أن هذا هو بداية سقوط الثقة..
ما لم تستوعبه بعض الأنظمة العربية التي لا تزال تظن أن المواطن بالنسخة الأبيض والأسود.. كما قبل 75 سنة أو أكثر ولم تستوعب أن التطور الهائل والأحداث المتسارعة خلقت في الإنسان العربي كمًّا هائلاً من المعرفة؛ ليعرف أن له الحق في الحفاظ على وحدة الوطن وأرضه شبراً شبراً وهيبة الدولة ومصداقيتها، وعدم السماح لكائن من كان أن ينهش في وطنه، فكيف لنا أن نتقدم والفاسد يجد من يخاف منه ويخاف أن يُحاسبه على خيانته.
إن المفسدين هم الذين يجب أن يخافوا أولاً رب العالمين وثانياً غضب المواطنين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.