نخاف أن نترك الأماكن التي نهواها، نحزن عندما يتركنا من نحبهم، نخشى أن نفقد الأشياء التي في أيادينا.
أشرتُ إلى زميلي، أطلب منه الحديث، فجاءت إجابته قاطعة بالرفض، ولم ألح في الطلب، بل تفهمت عذره وقبلته مرغماً، فالتخطيط الزمني لم يتم كما أردنا.
كان هناك اجتماع ضم مجموعة من الزملاء، جمعتهم الأيام لقرابة العشر سنوات، ثم فرقتهم كلاً في طريق، فالشركة الدولية التي كانوا يعملون بها قد أعادت تخطيطها على مستوى العالم، مندمجة إلى شركة أخرى، مما أرغمهم على ترك أماكنهم، منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، وها هم كعادتهم السنوية يجتمعون، لا يتخلف أحد الا مضطراً.
عند ترتيب جدول الاجتماع، تم الاتفاق على أن يجيب كل من الحضور على سؤال: ما القيمة وراء نجاحك؟ فالجميع يملك النجاح كثقافة، وتباعاً كأسلوب، وبقية السؤال كانت: وما القيمة التي تريد أن تضيفها لمجتمعك؟ وتم الاتفاق على أن يتحدث كل من يريد نحو الخمس دقائق، ولكن داهمنا الوقت، نتيجة لتأخر بعض الحضور أو بعض الأعطال التقنية، فرأى زميلي، منظم الحفل، الاكتفاء بعدد قليل من الكلمات في هذا المجال، وذلك للانتقال إلى بقية جدول الاحتفال.
وبدأت الحديث مديرتنا السابقة، فأوجزت ما رأته سبب من أهم أسباب نجاحها، وهي الآن واحدة من أعلام مديري الموارد البشرية على مستوى المنطقة، قالت: اعمل ما تحب وأحب ما تعمل، وأخذت بطريقتها الودودة تشرح لنا أن في داخل كلامنا ميلاً أو موهبة عليه أن يستثمرها بأن يعمل بها، الأساس في النجاح أن يكون عملك هو شغفك الحقيقي، ولا تحاول أن تصطنع، كن نفسك، اكتشف ماذا تحب، واعمل به، سيكون حبك لعملك عوناً لك في طريقك، وأنهت المديرة السابقة كعادتها كلامها بابتسامتها الرشيقة، وتذكرت كم كانت هذه السيدة تعمل بجد وود، وأيقنت أن هذا كان أسلوب حياتها، وسبب نجاحها، ثم تتابع الحديث لزميل آخر، أكد الإبداع والابتكار كطريق أساسي للنجاح، وقال في شرحه: إن لم تأت بجديد، فلا تنتظر جديداً، وزميل ثالث تحدث موجزاً عن المثابرة، فلا نجاح وليد لحظة، بل نتاج أيام وسنين، وتتابع جدول الاحتفال.
بينما قررت أنا أن أكتب ما أعددته، ولولا ضيق الوقت لقلته، ولكن في الصفحات متسع.
للنجاح قيم كثيرة يلتزم بها من يبغيه، من يريد النجاح عليه أن يمزج هذه القيم ويصبغها بصبغته الشخصية، ويسير في درب النجاح، نعم فالنجاح هدف وطريق، درب ومبتغى، قيم الفرد الشخصية هي أساس النجاح ومفتاحه، فالنجاح لا يصنع الناجح، بل الناجح يصنع النجاح.
لا أعرف قيمة من قيم النجاح مثل التغيير، لا نجاح بدون تغيير، التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة، وبقدر وكيفية تعاملك مع التغيير، يكون حظك من النجاح.
إن أي نظرة ثاقبة لجوهر الحياة، تكشف بسهولة أن الحياة هي التغيير، فالحياة هي تعاقب الوقت من ليل لنهار، ومن يوم لآخر، إذن فالمعلم الحقيقي للحياة هو التغيير، ومن آراء بعض الفلاسفة نكتشف أنهم قالوا بعدم وجود للحاضر، إذ إنهم عدوا الزمن بين ماض ومستقبل، وقالوا إنه لا أحد يستطيع تحرير أو تحديد تلك اللحظة الحاضرة، ثم ذهب البعض إلى اعتبارها فترة مرتبطة بظرف موجودة في التحام الماضي والمستقبل.
إن الذي يؤمن بالتغيير لا ينتظره، بل يسعى نحوه.
وتجد كثيراً يتحدث عن التغيير، ثم تكتشف أنه يضع له حداً، وهذ تفريغ حقيقي لمعنى التغيير، بل وتضاد له، فالتغيير الحقيقي لا حد له، بل يجب أن يشمل جميع مناحي حياتك، عندما تغير، عاداتك، هواياتك، اهتماماتك، تخلق لنفسك حياة جديدة، تكتشف مكامن للبهجة عذبة.
ويكون السؤال: هل القيم تندرج تحت التغيير، وأقول: القيم تتغير وهي ثابتة، المتغير هنا هو ترتيبنا للقيم، وإعطاء الأولوية لبعضها دون بعض، ففي بعض الأحيان تكون أولى القيم بالاهتمام هي العمل الجاد، وفي أحايين أخرى تكون الاستمتاع بالحياة، هكذا يكون تغيير القيم.
وفي اعتقادي أن النجاح يأتي لمن يجعل التطوير والتغيير صنوان، لا يفترقان.
تلك كانت إجابتي عن سؤال: ما أهم قيم النجاح في حياتك الشخصية؟ ولا أراها تختلف عن إجابتي عن سؤال آخر.. عما أريد أن أضيفه للمجتمع، إنه أيضاً الايمان بالتغيير والعمل به، إنما تتقدم الأمم بقدر استيعابها للتغييرات من حولها ومواكبة هذا التغيير، بالعمل، وأعجب شديد العجب أن أرى من يتحدث عن اشتراكية ورأسمالية، أو قوميات، في زمن تخطى كل ذلك.
ونهاية أرى إن كان بالتغيير بعض مخاطر، فالجمود مقتل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.