الاختلاف لا يفسد للود قضية، هي العبارة التي كثيراً ما تتردد في مواقف الاختلاف بين شخصين، بين رأيين أو موقفين، ومن اليسير أن ينطق الواحد منا بها تعبيراً عن تفتح أفقه تقبلاً واحتراماً لاختلاف الآخر عنه، لكنا قد نعبر أحياناً عما لم يقر في النفس فنسلك سلوكاً مخالفاً للقول بجلاء، يصح أن نتساءل هنا عن مدى انعكاس هذه العبارة على سلوكنا كأفراد؟ والأدهى من ذلك يأتي التساؤل عن تجلياتها في واقعنا كشعوب وأمم.
هو واقع يعبر عن نفسه بما يطال الإنسان من دمار نجد سببه الرئيسي إن أمعنا النظر عدم قبول الآخر، عدم قبول وجوده استئثاراً بوجود الذات، فالآخر ليس أنا، الآخر لا يمثلني، فهو مختلف عني، ولا معنى لوجودنا معاً، بل أحدنا لا يصلح أن يبقى على قيد الحياة
نعم، لهذه الدرجة غالى الإنسان في الانفراد بكينونته وحده دون الآخر المختلف عنه، فكانت هذه الفكرة قد تجسدت ولا زالت تتجسد واقعاً تخط تاريخه أيادي البشر، فقامت الحرب العالمية الأولى والثانية بهذا المنطق، تصفية للآخر المختلف عن غيره، بهذا المنطق اعتبر هذا الأخير الخصم والعدو، لا إنساناً مثل غيره على قدم واحدة من الإنسانية. ونحن نرى حال الإنسانية اليوم وقد فسد ود الإنسان للإنسان لاختلاف بسيط بينهم، بل لاختلاف لا يكاد يعرف اختلافاً بلغة العقل، بل الأمر في صميمه يعد تنوعاً حري به أن يزيد العالم غنى لا حروباً وتطاحناً.
تجاوزت حماقات البشر في إفساد ود بعضهم بعضاً حدود المنطق، فينعت الإنسان بلون بشرته تقليلاً من قيمته، فيكون الأسود ذو الدرجة الثانية في سلم البشر، وتكون الأنثى أقل شأناً من جنسها المخالف الرجل. وأبعد من ذلك نأتي على ذكر الأحقاد التي قد يتأجج لهيبها بين ذوي العرق الواحد والجنس الواحد، فيكون اختلاف الفكرة باعثاً على التنافر بين الأفراد، فيحقد على الليبرالي لتوجهه وعلى الإسلامي لتياره وعلى العلماني لمعتقداته، ولا يقبل أحد أحداً إذا هو لم ينضم إلى صفه…
نتناسى أن لكل شخص زاوية نظر ومحل رؤية ليس بالضرورة شبه غيره، فكل شخص يُكوِن رأيه ويَكُون ذاته من مكانه، ولا يكلف أحدنا نفسه عناء الانتقال إلى الطرف الآخر ليرى بعين غيره. يجب أن لا يفهم من ذلك أن تطمس ذات الواحد منا بحثاً عن فهم الآخر، بل هي دعوة إلى أن نتيح لأنفسنا فرصة أن نفهم الآخر من منطلقه لا من منطلقنا، حتى يتسنى لنا فهم الآخر فهما صحيحاً أو إدراك اختلافه عنا إدراكاً سليماً. أما الاعتداد بالنفس في رفض تام للآخر لاختلافه عنا فهو تزمت وانغلاق على الذات.
إن سنة الكون على الأرض ستظل قائمة بوجود الإنسان على هذه الأرض. اختلاف البشر بينهم هو السنة الكونية التي تدير عجلة الحياة وتبث في أوصالها روحاً تنعشها. متى ما كان هذا الاختلاف مصدر شحذ للأحقاد في نفوس البشر فإنه من دواعي ضيق أفق وقصور رؤية للعالم في وسعه وشساعته. والمحتوم هو أن نعيش على هذه الأرض مع بعضنا البعض، أما الاعتقاد بفكرة أن شخصاً أحسن من غيره إن هو اختلف عنه في شيء فهو ضرب من الحماقة البشرية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.