شكَّل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي إحدى أهم ثورات التكنولوجيا في عصرنا الراهن، حيث استطاعت في ظرف وجيز أن تنتشر في كل أصقاع العالم، وأن تشكل نموذجاً لما بات يعرف بالإعلام الجديد أو البديل لوسائل الإعلام التقليدية، تتميز عنها بإمكانيات هائلة للتواصل والتفاعل المباشر والحر، مما يسمح بتسويق الخبر والمعرفة بين أفراد المجتمع بكل حرية.
ففي البلدان العربية -حيث تعاني حرية التعبير من تضييق شديد ومراقبة صارمة من طرف الأنظمة الحاكمة- ساهمت هذه الشبكات التواصلية بشكل فعّال في اندلاع ثورات شعبية اجتاحت العديد من البلدان العربية؛ بسبب الاستياء من تراكم عقود من السياسات الاستبدادية القائمة على انتهاكات حقوق الإنسان وقمع الحريات
وسوء الأوضاع المعيشية، استخدمت فيه هذه الشبكات الاجتماعية لا سيما فيسبوك إلى منصة للتعبير عن المواقف وتبادل الآراء في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية وكذلك للتنفيس عن السخط الاجتماعي وممارسة الضغط تجاه السياسات الرسمية.
يعد المغرب الذي يحتل الرتبة الثالثة عربياً من حيث عدد مستخدمي فيسبوك، أحد أهم النماذج عن تطور استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تحول فيسبوك من فضاء للدردشة والتعبير عن الشحن العاطفي إلى سلطة حقيقية وقوة مؤثرة يقودها قطاع مهم من الشباب الواعي والناضج الذي يهدف إلى المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات والتعبير عن المواقف السياسية وممارسة الضغط على السلطات، فهناك الكثير من المدونات والصفحات المغربية التي تحظى بمتابعة كبيرة من رواد الموقع الأزرق تتسم بنضج فكري وإيمان عميق بحتمية التغيير، من خلال متابعة مختلف القضايا والظواهر الاجتماعية والسياسية التي يشهدها المغرب بنظرة موضوعية
وحيادية، مما يتيح لها قدرة هائلة على التأثير في الرأي العام وتوجيهه بعيداً عن الأيديولوجيات الحزبية المغلقة.
وأمام هذا الزخم بات فيسبوك هاجساً يؤرق بال السياسيين خوفاً على سمعتهم، خصوصاً في حالات تسريب ملفات الفضائح وقضايا الفساد التي تورط فيها بعض المسؤولين الكبار، ورقيباً يترصد زلاتهم وهفواتهم، ومن أبرز القضايا التي أثارت عاصفة هوجاء من ردود الفعل الساخطة ما بات يعرف في المغرب بقضية خدام الدولة، حيث شن رواد الموقع الأزرق حملة إلكترونية رافضة لتفويت بقع أرضية في أماكن راقية بأثمنة زهيدة لمسؤولين كبار في الدولة، اضطرت معها وزارة الداخلية إلى إصدار بيان رسمي للرد عليها، وكذلك في فضيحة استيراد نفايات صناعية سامة من إيطاليا التي أثارت سخطاً عارماً من طرف رواد فيسبوك أدى في نهاية المطاف الى إلغاء الصفقة وفتح تحقيق حولها.
كما ساهم استخدام فيسبوك في حل قضية شائكة عرفت بالمغرب بملف الأساتذة المتدربين الذين قاطعوا تكوينهم اعتراضاً على إصدار مرسومين ينصان على فصل التكوين عن التوظيف و تقليص المنحة الشهرية، وأمام القمع الشديد والتجاوزات الأمنية التي تم ارتكابها في حقهم أثناء فض مظاهراتهم، أسس منسقو هذه الحملة العديد من الصفحات لتأطير تحركاتهم والتنسيق بينهم وتنوير الرأي العام بمشاكلهم مما أكسبهم تعاطفاً شعبياً كبيراً قادهم في النهاية إلى إجبار الحكومة على التفاوض معهم وتحقيق مطالبهم.
ظهور هذا النوع الجديد من الإعلام الحر الثوري الذي تحركه الجماهير وعلى رأسه فيسبوك، سيقابل بلا شك بمزيد من القيود قصد مراقبته وإخضاع محتواه بذرائع أمنية إذ أصبح فيسبوك بمثابة خطر يهدد سطوة السلطات الرسمية واحتكارها للمعلومات والأخبار، ورقيباً على سياساتها العامة وهذا ما حاولت الحكومة في سنة 2013 إقراره من خلال مشروع قانون المدونة الرقمية الهادف إلى تنظيم المحتوى الإلكتروني، حيث تم اتهامه بأنه وسيلة لشرعنة انتهاك حرية الرأي
والتعبير، مما دفع نشطاء الويب إلى إطلاق حملة عصيان إلكتروني أدت في نهاية المطاف إلى إلغائه.
ويتبين من خلال النجاحات والتأثير الكبير في العديد من الملفات والقضايا الاجتماعية والسياسية بالمغرب التي تم عرضها، أن استخدام فيسبوك عرف تحولات مهمة من مجرد موقع للترفيه إلى منبر ومنصة للتعبير عن الغضب
والسخط وفضاء لإيجاد حلول لمختلف الظواهر والمشاكل الاجتماعية المزمنة التي يعاني منها المغرب، كالفساد السياسي وانتشار السطو والسرقة وغيرها، ما جعلها ظاهرة تسترعي انتباه الباحثين قصد معالجتها من مختلف الجوانب وتفسيرها بشكل علمي دقيق.
فمن بين الأسباب التي ساهمت في هذه التحولات، أن فيسبوك كشبكة للتواصل الاجتماعي يتيح هامشاً واسعاً لحرية التعبير والتفاعل والنقاش بعيداً عن رقابة
ووصاية السلطات، وبديلاً يحذى بجاذبية لدى الشباب مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية التي يغلب عليها الطابع الرسمي، وكذلك كونه آلية مهمة لنشر الأفكار
والآراء ومناقشة القضايا الاجتماعية والسياسية برؤية نقدية تتسم في غالب الأحيان بجرأة كبيرة من خلال الإمكانيات التكنولوجية التي يتيحها كتقنية الهاشتغات والعرائض الإلكترونية وغيرها.
أمام هذه التحولات التي ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في إحداثها، وخصوصاً فيسبوك، وأهمها على الإطلاق تحفيز قطاعات هامة من الشباب إلى المساهمة في إدارة الشأن العام وإيجاد تصورات وبدائل حقيقة للمشاكل الاجتماعية والسياسية، ينبغي أن يدفع بنسق التغيير من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي للرقي بالمجتمع.
وسيساهم بشكل كبير في إحداث تغيرات هامة على مستوى العلاقة بين الفرد
والسلطة، عبر نشر الوعي السياسي وثقافة المواطنة بين قطاعات مهمة من المواطنين، لاسيما الفئات الشابة منهم عبر ممارسة النقد البناء وطرح البدائل كفاعلين أساسيين في بناء مجتمع مدني قوي وفي تدعيم دولة المؤسسات القائمة على احترام القوانين وربط المسؤولية بالمحاسبة في أفق تحول نحو نظام ديمقراطي حقيقي.
المصادر
– www.sasapost.com/facebook-impact-morocco/
-http://juliemirande.com/le-role-des-reseaux-sociaux-dans-la-revolution-arabe/
-http://www.alma3raka.net/spip.php?article100&lang=ar
al-seyassah.com/أهمية-شبكات-التواصل-الاجتماعي-في-صناع /
http://www.com-en-scene.com/etude-utilisation-des-reseaux-sociaux-au-maroc/
http://www.lemag.ma/Facebook-ce-nouvel-instrument-de-contre-pouvoir_a95796.html
– بشرى جميل الراوي، دور مواقع التواصل الاجتماعي في التغيير
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.