رغم إقراره أكثر من 300 قانون وقرار، كان قد صدر أثناء مرحلة الفراغ التشريعي في مصر، من أجل أن لا تزول بأثر رجعي بعد انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد كما ينص القانون، إلا أن البرلمان ما زال متأخراً في إصدار الكثير من القوانين المكملة للدستور.
وبدأ الغموض ينزاح عن قانون بناء وترميم الكنائس، بعدما توافقت الحكومة مع ممثلي الكنائس على نصوصه، بعد جدل غريب بشأن وضع الصلبان على الكنائس، بينما لا حديث عن قانون العدالة الانتقالية، رغم أن كلاهما من القوانين المكملة للدستور التي يجب إقرارها في الفصل التشريعي الأول للبرلمان الذي أوشك على الانقضاء.
السبت 27 أغسطس/آب 2016، نشرت صحيفة "الشروق" المصرية نص القانون بعد مراجعته من مجلس الدولة (أعلى هيئة للقضاء الإداري بالبلاد )، تمهيداً لعرضه على البرلمان لإقراره.
منذ انتخاب البرلمان المصري، والمناقشات التي تدور حول هذين القانونين تُنبئ عن بعض التلكؤ، وكان لافتاً أن نصوص قانون بناء الكنائس ظلت مجهولة حتى السبت، رغم أن الإعلان عن الاتفاق الذي حدث بين الحكومة والكنائس كان قبلها بيومين، بينما لا يزال قانون العدالة الانتقالية مجهول المصير. فلماذا هذا التأخير؟
بداية القصة
ينص الدستور المصري الذي صدر عام 2014 على وجوب إقرار البرلمان عند انتخابه، لقانوني بناء وترميم الكنائس، والعدالة الانتقالية باعتبارهما من القوانين المكملة للدستور قبل انتهاء دور الانعقاد الأول.
هذا الانعقاد الذي بدأ قبل 9 أشهر سينتهي خلال الأسبوعين القادمين حسب ما قال علي عبدالعال رئيس مجلس النواب، ولم يقر البرلمان أياً من القانونين حتى اللحظة.
آخر التطورات
النائب إيهاب الطماوي، أمين سر اللجنة التشريعية بمجلس النواب، قال لـ"عربي بوست" أن "دور الانعقاد مستمر والعمل مستمر، الكل رأى أننا بدأنا فعلاً الأسبوع الماضي بنقاش قانوني العدالة الانتقالية وبناء الكنائس، مجلس النواب حريص على إصدار القوانين في دور الانعقاد الأول".
وعقَّب النائب محمد أنور السادات، رئيس لجنة حقوق الإنسان، على مصير قانون العدالة الانتقالية قائلًا "نظرنا الأسبوع الماضي في اجتماع مشترك بين اللجنة التشريعية مع حقوق الإنسان مقترحي القانون، حيث تقدمت بمقترح وتقدم النائب فرج عامر بمقترح آخر، وسيتم إرسالهما للحكومة لدراستهما، ثم تنعقد جلسة البرلمان للنظر فيما سيؤول إليه الأمر".
الوقت الضيق
عندما قارب الدور التشريعي على الانتهاء، راح بعض النواب يتناقشون: هل الموعد المنصوص عليه في الدستور ملزم أم مجرد موعد تنظيمي؟
رئيس لجنة حقوق الإنسان محمد أنور السادات تبنى الرأي الأول بأنه ملزم، في حين تبنى الرأي الثاني بهاء الدين أبو شقة رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان.
لكن النائب باللجنة التشريعية إيهاب الطماوي يقول إنه لا بد أن يلتزم البرلمان بما قال الدستور، لكنه لم ينص الدستور على ترتب أثر مباشر في حال تأخرت القانونين لدور انعقاد آخر.
ويعلق أستاذ القانون الدستوري محمد نور فرحات، بأن من يفصل في هذا الأمر هي المحكمة الدستورية العليا. لكن هناك آثاراً سياسية لذلك، وهي أن البرلمان لم يفِ بواجباته التي نص عليها الدستور بإنجاز عدد معين من التشريعات.
سألنا النواب الذين تواصلنا معهم، لماذا وضعتم أنفسكم رهن الوقت الضيق في نهاية دور الانعقاد؟
وقال السادات "للأسف المجلس مزدحم بأجندة تشريعية مزدحمة ونتيجة ذلك نحن غير قادرين على تحقيق كل الالتزامات" فيما أقر النائب الطماوي بأنه كان لا بد من النقاش مع الكنائس في القانون المتعلق لها، "وهذا استغرق وقتاً".
تأخير آخر!
وبخصوص قانون العدالة الانتقالية، يضيف النائب إيهاب الطماوي، "فإن مِن الشعب المصري مَن لا يرغب أبداً في سماع كلمة مصالحة مع جماعة مستمرة في رفع السلاح في وجه الدولة" في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظور نشاطها في مصر عقب الانقلاب العسكري على الرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013.
وأردف قائلاً "إن هذا جزء من المسألة، فكانت الحكومة تستجيب بشكل أو بآخر لهذه الرغبة ولا تتحدث عن القانون". على حد قوله
لكن إذا كانت الحكومة لن ترسل القانون ولا تتحدث عنه، فمن الوارد أن لا تتعاطى مع مقترح البرلمان، هل إرجاؤه لدور الانعقاد الثاني مطروح؟.. بالنسبة للطماوي، فإنه " لا يوجد ما يمنع ذلك".
بحث عن توافق؟ أم دور للأمن ويد للحكومة؟
النائب ثروت بخيت، عضو اللجنة التشريعية قال لجريدة الوطن المصرية الأسبوع الماضي أن الحكومة تسعى لعرض القوانين المهمة فى اللحظات الأخيرة من دور الانعقاد، لتتم الموافقة عليها دون جدل ومناقشات كثيرة قائلاً: "أعتقد أن الحكومة ستتقدم بمشروع قانون بناء الكنائس في الأسبوع الأخير من دور الانعقاد الحالي، حيث تسعى لإقرارهما فى اللحظات الأخيرة".
ويُلَاحظ أن البرلمان ظل ينتظر طول الأشهر الماضية إرسال مشاريع القوانين من الحكومة، رغم أنه جهة التشريع، ويملك حق اقتراح القوانين، حتى عندما قرر البرلمان اقتراح قانون "العدالة الانتقالية" استطلع رأي الحكومة فيه، فلماذا كان الانتظار؟ وهل لا بد من موافقة الحكومة قبل الاقرار؟
يرد السادات عن هذا السؤال بالقول إن الحكومة كانت تقوم بالتشاور مع الكنائس للوصول لنص يتفق عليه الجميع، لهذا انتظر المجلس مشروع القانون.
لكن، هل بهذا التصرف تتخطي الحكومة دورها في كونها جهة تنفيذية، وجهة اقتراح قوانين؟
يعلق الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون الدستوري على ذلك بالتنبيه إلى أن "من يقول هذا الكلام لا يفهم الدور المنوط به، البرلمان وحده يملك حق التشريع سواء وافقت الحكومة على التشريع أو لم توافق".
من ناحية أخرى، ربما كانت مادة في قانون بناء الكنائس تشترط الموافقة الأمنية قبل الحصول على ترخيص البناء هي ما عطلت التوافق بين الكنائس والحكومة، وبالتالي تعطل التشريع كله، حسب فرحات
مصطفى شعت الباحث بوحدة القانون والمجتمع بالجامعة الأميركية في القاهرة، ويوضح أن قانون للعدالة الانتقالية سيكون له علاقة بالتعويضات والمصالحات، وهي أشياء لها علاقة مباشرة بدور الأمن، "وليس من المنطقي أن تتغافل الحكومة عنها، لكن أعتقد أنهم يهتمون بالقانون تلو الآخر "، واستدرك قائلا "لكن هناك رغبة في عدم مناقشة العدالة الانتقالية الآن فعلاً".
البرلمان في خدمة من؟
ويرى البعض أن انتظار رأي الحكومة والأخذ به في التشريعات، وعدم مناقشة القوانين المطلوب إقرارها إلا بعد وصول مشروع القانون من الحكومة، يخدم الأخيرة أكثر مما يخدم المواطن، خاصة أن هذا يسهل إقرار القوانين التي تطلبها الحكومة بفرض ضرائب ورسوم على المواطنين.
يعلق السادات على هذا الرأي قائلاً: الناس معذورون، لأنهم يرون القوانين التي تتعلق برسوم وضرائب هي الأكثر سهولة ويسراً وتقر بشكل أسرع، لكن السبب في ذلك أنها لا تحتاج وقتاً كبيراً في نقاشها.
وأضاف: "دعنا ننتظر ما سيسفر عنه هذا الأسبوع من استحقاقات، ما زال أمامنا 15 يوماً. قانون بناء الكنائس سيناقش قريبا، وستكون عدد مواده قليلة، وإذا كانت الحكومة والكنائس قد اتفقوا على مواده فيسكون إقراره أسهل، سيحتاج جلسة واحدة مثلا"، حسب قوله .
إجابة السادات تطرح تساؤلًا آخر، إذا كانت الحكومة والكنائس متوافقين فهل يصح للبرلمان إقرار ما توافق عليه مؤسسات أخرى، دون نقاش مُطول؟
يعقب الدكتور محمد نور فرحات عن ذلك قائلًا: "هذا البرلمان يُعتبر الجناح التشريعي للحكومة، هل تتوقع أن يكون البرلمان الذي تم انتخابه من أحزاب صنعها الأمن أن يكون مستقلًا؟".
وأضاف "إذا كانوا قد أقروا 300 قانون في 3 جلسات قبل عدة أشهر، فمن الطبيعي أن يقرّوا قانونًا في جلسة واحدة!
ومن ناحية أخرى، هل يكون التوافق مطلوبا بين المؤسسات فقط، دون أن يوازيه نقاش مجتمعي؟
يجيب مصطفي شعت الباحث بوحدة القانون والمجتمع بالجامعة الأميركية: قائلا: أمر سلبي أن يُعَدّ قانون مدني، ولا تأخذ فيه رأي المسيحيين المدنيين باعتبارهم مواطنين، ويُؤخذ في الاعتبار رأي المؤسسة الدينية فقط. إلا أن الجانب الإيجابي أن الحكومة انتظرت التوافق مع ممثلي الكنائس، فكنت أتخوف أن تقر الحكومة القانون متجاهلة رأي الكنائس من الأساس.