شهد حي "نايتس بريدج" الراقي وسط لندن منظراً غير مألوف، الخميس 25 أغسطس/آب 2016، إذ تحركت سيارة محمّلة بالرمال أمام السفارة الفرنسية لتلقي حمولتها أمام مدخل السفارة وسط استغراب رجال الشرطة وذهول المارة. وما هي إلا دقائق حتى اكتظّ المكان بنساء يرتدين "البوركيني" و"البكيني" ليجلسن على الرمل وكأنهن على شاطئ البحر.
ولم يكن هذا كل شيء، بل حضر الأطفال أيضاً ليلهوا بالرمال بأدوات لعب الشاطئ، بينما لعب الكبار الكرة وتقاذفوا القوارب المطاطية الصغيرة والعوامات.
وكان التحرك بناءً على دعوة وجهتها عدة هيئات وشخصيات لإقامة ما سمّوه "حفلة شاطئ لترتدي ما تريده" أمام السفارة الفرنسية، وذلك احتجاجاً على قرار بعض المقاطعات الفرنسية حظر "البوركيني"، وهو ملبس البحر النسائي الذي يغطي معظم الجسد.
الحق في الملبس
المظاهرة حضرها نساء محجبات وغير محجبات حملن لافتات تندد بالقرار الفرنسي، بشعارات من قبيل "الإسلاموفوبيا ليست من الحرية" و"نعم من أجل الحق في الملبس" و"حريتنا في اختيار: ديننا، شكل جسدنا، ملابسنا".
وحرص المنظمون على أن تبدأ المظاهرة عند الواحدة ظهراً، وهو موعد فسحة منتصف النهار لمعظم الموظفين في مختلف الهيئات والشركات في بريطانيا الذين يخرجون لجلب بعض الأطعمة قبل أن يعودوا لأعمالهم، وذلك لضمان جذب أكبر عدد من الجمهور.
واستمرت المظاهرة لنحو ساعة قبل أن يضطر منظموها لإزالة الرمال بعد أن هددتهم السفارة بتحرك قانوني لإزالتها بالقوة.
أحد منظمي المظاهرة ويدعى عصمت جيراج من منظمة "مواطنوا المملكة المتحدة" قال لصحيفة "الغارديان" إنه يجب تحدي فكرة أن "البوركيني" يعد رمزاً لقمع المرأة؛ لأن كثيراً من النساء يرتدينه عن قناعة.
وأضاف أنه يجب تشجيع مثل هذا الزي إذا كان يتيح للمرأة أن تجلس على الشاطئ وتستمع بالشمس، "لذا فهو، على العكس مما يروج له، يساعدها على الخروج وعدم الانزواء"، على حد تعبيره.
سلسلة احتجاجات
وتعد هذه المظاهرة بداية لسلسلة احتجاجات أخرى في عدة مدن بريطانية، من بينها المكان ذاته أمام السفارة الفرنسية في لندن، فمن المقرر أن تُقام مظاهرة جديدة أمام السفارة مساء الجمعة 26 أغسطس/آب بعنوان "منع البوركيني هو اعتداء إسلاموفوبيا على حق المرأة في اختبار ملبسها". ومن غير المعروف ما إذا كان المنظمون يعدون مفاجأة أخرى على غرار احتجاج الخميس أم لا.
وبلغ عدد المنضمين لصفحة التظاهرة على موقع فيسبوك نحو 5000 شخص. ودعت منظمة "مانشستر من أجل مكافحة العنصرية " إلى مظاهرة مساء اليوم في أكبر ميادين مدينة مانشستر البريطانية احتجاجاً على القرار الفرنسي بعنوان "ضد اعتداء الإسلاموفوبيا التي يستهدف النساء المسلمات".
كما دعت منظمة "متحدون من أجل مناهضة الفاشية" إلى مظاهرة أمام القنصلية الفرنسية في العاصمة الأسكتلندية إدنبرة يوم الأحد بعنوان "منع البوركيني اعتداء على حرية المرأة في الاختيار".
صادق خان ينتقد
وبدوره انتقد عمدة لندن المسلم صادق خان القرار الفرنسي بالمنع، وذلك أثناء زيارة يجريها للعاصمة الفرنسية باريس، وقال في تصريحات لصحفية "إيفيننغ ستاندرد" البريطانية: "أنا حاسم جداً في مثل هذه الأمر، لا أعتقد أن بإمكان أي شخص أن يفرض على النساء ما ينبغي أو لا ينبغي أن يرتدينه، الأمر بسيط جداً".
وأردف قائلاً إنه لا يقصد التفاخر والتمايز، "لكن أحد دواعي سرور لندن أنها تتسامح مع الاختلاف وتحترمه، بل وتحتفي به أيضاً"، على حد قوله.
من ناحية أخرى انتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش القرار الفرنسي بمنع "البوركيني" بأنه أمر مخزٍ وعبثي، على حد وصفها. وأضافت المنظمة، الجمعة، أن "اتخاذ مثل هذه القرارات في أعقاب عمليات إرهابية يخلق ارتباكاً خطيراً".
عقاب جماعي للمسلمات؟
وقالت بينيديكت جينيرو، مديرة فرع فرنسا بالمنظمة، إن هذا القرار يمثل عقاباً جماعياً للنساء المسلمات بسبب أفعال أناس آخرين لسن مسؤولات عنهم.
وترى جينيرو أن هذا القرار ليس ظالماً وبه تمييز وحسب، "ولكنه خطير أيضاً لأنه يربط بين ملبس السباحة والتهديدات الإرهابية من دون أي حقائق لتأييد هذا الربط، الأمر الذي يعزز من الادعاءات الخطأ والمدمرة التي تستهدف الجاليات المسلمة"، ما يؤدي لمخاطر زيادة الاحتقان في المجتمع في الوقت الذي يشعر فيه بعض المسلمين في فرنسا بالظلم.
وقد حفلت البرامج التلفزيونية والصحف البريطانية بمقالات وأخبار عن القرار الفرنسي واعتبرته العديد من الآراء نوعاً من سلوك كراهية النساء أو "الميسوجوني"، الذي تم إدراجه مؤخراً كجريمة كراهية يعاقب عليها القانون البريطاني.