من المرجح أن الولايات المتحدة حصلت أخيراً على حليف عسكري محترف في حربها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). فقد نفذت القوات التركية هجوماً على مدينة جرابلس الواقعة شمال سوريا، التي سيطر عليها تنظيم داعش لسنتين ونصف، لكن المعارضة المسلحة استعادتها مرة أخرى الأربعاء 25 أغسطس/آب 2016.
في أعقاب ذلك، يتوقع أن يعيد ذلك التدخل رسم مجريات الحرب ضد التنظيم الجهادي.
تدخلت تركيا لأول مرة في الحرب السورية بطريقة مباشرة، الأربعاء، بعد أن أرسلت دباباتها وقواتها الخاصة لدعم الهجوم الذي تنفذه جماعات المعارضة المسلحة، المدعومة من تركيا، ضد آخر معاقل تنظيم داعش على الحدود التركية، بحسب تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية، الأربعاء 24 أغسطس/آب 2016.
فضلاً عن الدبابات والقوات الخاصة التركية، وفرت الولايات المتحدة غطاءً جوياً لذلك الهجوم، ما يحمل إشارة قوية تفيد بأن التدخل التركي يلقى قبولاً من واشنطن.
المعارضة السورية انتصرت سريعاً دون خسائر
وأعلنت قوات المعارضة المسلحة انتصارها في تلك المواجهة خلال ساعات، بدون وجود خسائر كبيرة. وبذلك الانتصار، حققت تركيا هدفها العاجل من خلال السيطرة على جرابلس، كما أعطت في الوقت الحالي الضوء الأخضر لمحاولتها للاتجاه غرباً، بهدف "تطهير" المنطقة الحدودية من تواجد التنظيم.
ربما تمثل تلك الحملة عهداً جديداً من التعاون التركي الأميركي داخل سوريا. رغم تداخل الدوافع التركية وراء الدخول المباشر بالأراضي السورية مع الدوافع الأميركية.
مع ذلك تمثل أحداث الأربعاء تغيراً لصالح الولايات المتحدة وتحالفها مع تركيا، وكذلك في صالح حربها ضد تنظيم داعش.
يقاتل كل طرف من تلك الأطراف في جرابلس السورية لأسبابه الشخصية. فتركيا تسعى بالتأكيد لإضعاف تنظيم داعش، الذي قصف الأراضي التركية ونفذ مجموعة من الهجمات الإرهابية داخل أراضيها، بما في ذلك الهجوم الانتحاري الذي وقع في مدنية غازي عنتاب جنوب البلاد خلال عطلة الأسبوع الماضي، والذي تسبب في مقتل 54 شخصاً خلال حفلة زفاف. الأهم من ذلك، أن أنقرة في المقابل تستجيب متأخراً لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على بعض الأراضي شمال سوريا، من خلال قوات سوريا الديمقراطية التي تسعى لربط جيوبها المختلفة عبر الحدود التركية لتشكيل منطقة كردية بطول الحدود.
في غضون ذلك، صرح بن علي يلدرم، رئيس الوزراء التركي، يوم الأربعاء بأن بلاده لن تقبل بتواجد الكيان الكردي على حدودها.
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه أمامنا يقول: لماذا يحدث ذلك الآن؟ استمرت قوات سوريا الديمقراطية في التوسع لشهور عديدة، وفي المقابل صمت الأتراك عن الرد لتلك التطورات حتى يوم الأربعاء الماضي.
ربما كانت أنقرة تأمل أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على قوات سوريا الديمقراطية، إذ إنها هي التي تدعم المجموعة، لكي تحترم الخطوط الحمراء المتعلقة بالسيطرة على الأراضي، مثل بقائها شرق نهر الفرات. إلا أن ذلك الأمر لم يحدث، بل إن قوات سوريا الديمقراطية عبرت نهر الفرات وسيطرت في نهاية الأمر على مدينة منبج في 12 أغسطس/آب، كما بدت أنها عازمة على استمرار مسيرتها وتمددها غرباً لكي تربط جيوبها الكردية الواقعة في عفرين.
طموحات الكرد حركت الجيش التركي
ويبدو أن تنامي طموح قوات سوريا الديمقراطية تسبب في تغير بالحسابات التركية، ما قادها لتنفيذ عملية جرابلس. بدأت تركيا تلك الحرب منذ فترة، لكنها كانت حرباً بالوكالة هدفها تطهير مناطقها الحدودية من تواجد تنظيم داعش وكذلك لتوجيه ضربة استباقية أمام تمدد قوات سوريا الديمقراطية، وذلك من خلال دعم الجماعات السورية المسلحة، لكنها طالما حاولت تجنب نشر قواتها داخل الأراضي السورية.
وخلال عملية الاستيلاء على جرابلس، تحركت جماعات مسلحة بما فيها لواء السلطان مراد، وفيلق الشام، ولواء المعتصم، وحركة نور الدين زنكي من الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في الغرب عبر الأراضي التركية والحدود؛ لكي يشتركوا في القتال الذي دار في جرابلس.
وتعد تلك الخطوة التركية هي الأكثر دراماتيكية فيما يتعلق بحربها غير المتسقة ضد تنظيم داعش، كما يمكن أن تمثل خطة للتعاون مع الولايات المتحدة للمضي قدماً. وطالما كانت الولايات المتحدة مترددة عندما يرتبط الأمر بالتعاون مع الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا، والتي تركز على القتال في دمشق، خوفاً من أن تنجر أقدامها نحو حرب ضد نظام بشار الأسد.
وتسبب ذلك في اعتماد الولايات المتحدة بشكل مكثف على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وحزب العمال الكردستاني التابع لها، وهو الجماعة التي تصنفها الولايات المتحدة وتركيا جماعة إرهابية.
تبدو الولايات المتحدة في أمسّ الحاجة إلى حليف يمكنه أن يحرز نتائجاً ضد تنظيم داعش، وأيضاً يتعامل مع السكان العرب المحليين الذين يشعرون بالريبة من الجماعات الكردية، وأيضاً يؤدي دور الشريك الإستراتيجي الدولي وليس فقط دور الجماعات المحلية المسلحة.
وفي الوقت الذي كانت تصب فيه تركيا كل تركيزها على هزيمة نظام الأسد واحتواء حزب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، لم تتمكن من تحقيق أي من تلك الأمور. ولكن إن استطاعت أنقرة استيعاب أهمية الدور الرئيسي الذي يمكن أن تلعبه ضد تنظيم داعش والذي يمثل أفضل فرصة لها لكي تدعم الشركاء العرب في شمال سوريا – بينما تواجه احتمالية وجود كيان تركي متحد ومعادي لها – فإن ذلك الأمر قد يغير مجريات الأمور.
جرابلس المحمية
في أعقاب ذلك، ظهرت عملية جرابلس أنها ذروة التكيف الإقليمي الإستراتيجي التركي مع مجريات الأمور، وأيضاً ذروة تجاوز حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وكذلك سعي الولايات المتحدة لتمدد عملياتها وشراكاتها ضد تنظيم الدولة. على الرغم من أن تركيا قررت أن تترك المدينة في أيدي المعارضة المسلحة، فإنها قد يتمثل خيارها في أن تبقي قواتها بالمدينة لكي توقف أي هجمات مضادة لتنظيم الدولة على المدينة وكي تدافع عنها.
وإن تمكنت تركيا وحلفاؤها من الإبقاء على جرابلس، فربما يشكل الأمر نقطة بداية لتوسع إضافي مدعوم من تركيا بهدف إقامة منطقة عازلة مضادة لتنظيم الدولة، كما يتوقع أن يتسبب ذلك في تعزيز الشراكة بين تركيا وكثير من جماعات المعارضة المسلحة، في ظل وجود الدعم الأميركي.
وتحمل تلك الديناميكيات أصداءً واسعة فيما يتعلق بالحرب في سوريا. فربما تتسبب في زيادة حدة التوتر بين تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على المدى القصير، وهي الاحتمالية التي سيجدر على الولايات المتحدة إدارة مقدماتها وتوظيفها من أجل استراتيجيتها المضادة لتنظيم داعش.
الكرد سينصتون لأميركا
على الرغم من ذلك، يبدو أن التوازنات تضيّق من خيارات الولايات المتحدة وتجعل الخيار الأوحد لها متمثلاً في احتواء تركيا، حليفتها بحلف الناتو، فيما يتعلق بالجماعة المسلحة المثيرة للجدل التي تعتبرها تركيا عدواً لها.
وعلاوة على ذلك، يتوقع أن تتسبب الشراكة الكاملة مع أنقرة خلال مواجهة تنظيم الدولة، في زيادة نفوذ الولايات المتحدة على حلفائها الأكراد. دعا جو بايدن، نائب رئيس الولايات المتحدة، القوات الكردية يوم الأربعاء لأن ينسحبوا من غرب نهر الفرات، وهي المنطقة التي تحتوي على جماعات مسلحة تدعمها تركيا، والتي يأمل الأكراد في الاستيلاء عليها لإتمام تمددهم.
بيد أن الكرد لن يكون أمامهم خياراً إلا الامتثال لتلك الدعوة، أو المخاطرة بخسارة الدعم العسكري الأميركي. لذا فربما يتسبب كبح جماح الطموح الكردي بالتمدد في تخفيف حدة التوتر بين تركيا والأكراد في غضون استمرار مشاركة الولايات المتحدة في تلك الحرب.
ويمكن لعملية جرابلس أن يُعتمد عليها من خلال اعتبارها أساساً لمزيد من التعاون الأميركي الكردي لتسهيل إحداث توازنات في القوى بين العرب والأكراد بشمال سوريا، ما سيصب في مصلحة تقوية جبهة الحرب ضد تنظيم داعش.
كما ينبغي على أنقرة وواشنطن أن يبقيا المنطقة الحدودية آمنة إن استمر التعاون بينهما. لكن الاتجاه جنوباً بعيداً عن تلك الأراضي، يزيد من تعقيد الأمور.
توازن قوى
ففي نهاية المطاف ستحاول جماعات المعارضة المسلحة مواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وكذلك قوات النظام. كما سيتطلب الأمر تعاوناً بين داعميهم الأجانب – المتمثلين في تركيا (التي تدعم المعارضة المسلحة)، والولايات المتحدة (التي تدعم الأكراد)، وإيران وروسيا (اللتان تدعمان النظام السوري) – لتجنب أي حالة تصعيد في الأمور.
غير أن الأحداث الجارية الآن تضمن لواشنطن كثيراً من المكاسب الناتجة عن الحماس التركي الطارئ، وكذلك العدوان الذي شنته أنقرة خلال الآونة الأخيرة ضد تنظيم داعش.
– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Foreign Policy الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.