نعم هذا صحيح.. جيل الشباب يكرهكم!

أقحمتم مستقبلهم في مشاكلكم وانقساماتكم المذهبية والعرقية والسياسية والاجتماعية، سلبتموهم الحق في حياة إيجابية مُنتجة وأرغمتموهم على ترك التفكير بمستقبل أفضل والتفرّغ لكنس مخلفات حماقاتكم من مستقبلهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/24 الساعة 23:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/24 الساعة 23:40 بتوقيت غرينتش

نعم أنتم، الآباء والأمهات، المعلمون والأساتذة والأدباء والمفكرون، أنتم المتباهون بأضعف الإيمان على منصّات الجرائد والقنوات، أنتم أحافير المناصب ومحتكرو الفَهم والبصيرة للدين والدنيا معاً.

أنتم الذين ما زلتم تتحاشون مواجهة ما صنعتموه وما قدمتموه من ثمن مقابل المبادئ التي تتوهمون أنكم مؤمنون بها، أنتم الذين أهدرتم الفرصة تلو الأخرى لتقديم ما هو جدير بالاقتداء، لا تغضبوا اليوم إن نازعكم الشباب على الدفة، لقد أغرقتم السفينة.

بأي منطق تريدون منهم أن يثقوا بكم وقد أثبتم فشلكم مراراً وتكراراً في مواجهة العواصف؟

لم تقدموا شيئاً يفوق ما قد يقدمونه هم فيما لو منحوا فرصة تستحقها عقولهم وشجاعتهم وسعة أفقهم، في واقع الأمر أنتم لا تمتلكون سوى أسبقيتكم لهم بعدد من السنوات لم تحسنوا استثمارها فيما يفيد، وليس من فضل لكم في هذه الأسبقية سوى أن الله شاء أن يكون موعد وصولكم لهذه الدنيا يسبق وصولهم، أن تكونوا مررتم بالطريق قبلهم فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنكم مدركون أي طريق كنتم تسلكون، ولا يعني أن رؤيتكم لتفاصيل الطريق كانت دقيقة أو صحيحة، فضلاً عن أن أغلبكم عبر الطريق نائم، وكل ما يمليه عليهم الآن من نظريات ورؤى ليست سوى أحلامه التي رآها حين كان مستغرقاً في النوم أثناء رحلته.

دعونا نكون أكثر دقة في هذه النقطة تحديداً، أنتم لا تختلفون في أحقيتكم هذه عمّن حصل على المجد عبر صدفة جينية لا أكثر، هل ترون هذا بوضوح الآن؟

هذا الذي أشبعتموه نقداً وشتماً وانتقاصاً، أنتم تشبهونه من زاوية أخرى!

إنهم يعلمون أن الهالة التي تضعونها حولكم هالة مزيفة، وأن الحكمة التي تظنون بأنكم تمتلكونها تهزأ منكم آناء الليل وأطراف النهار، فيما تهز رأسها لهم بابتسامة متفهمة لحنقهم من أكاذيبكم.

لقد استمرأتم مذاق خديعتكم لأنفسكم ولهم، الخديعة التي منحتكم الرضا عن ذواتكم، عن خياراتكم وحصادكم، ذلك الحصاد الذي لم تتقنوا شيئاً حد إتقانكم لترميمه كلما تشظى بأسئلتهم عن قيمته الفعلية.

أفيقوا من وهمكم البائس هذا، إنهم يعلمون أنكم اكتفيتم بالوهم عن الحقيقة التي تعلمون جيداً أنها ستجبركم على الاعتراف بحجم منجزاتكم في الحياة، أفيقوا قبل أن تفقدوا الاحترام الذي يمنعهم من إرغامكم على الاعتراف بحقيقة أنكم من جعل من مستقبلهم طريقاً شاقاً وطويلاً، وأنكم من سرق فرصتهم بالحياة حين افترضتم أن الإيمان بتناقضاتكم أمر يتوجب الحصول عليه منهم ولو من باب احترام السن!
لا تغضبوا إن غادرهم التهذيب وبدأوا بالتندّر على أفكاركم وأحاديثكم ومواعظكم التي اتسعت لتشمل كل الفضائل لكنها تتعمد التغافل عن فضيلة الاعتراف بالذنب.

إنهم يفهمون أن ذلك يضعكم في مأزق كبير مع كبريائكم المنتفخ كالبالون.

لقد أفرطتم في الحديث عن الشجاعة فيما لم تكن شجاعتكم تتخطى أبواب منازلكم، أو أطراف "حارتكم" على أبعد تقدير، أنشدتم القصائد في التفاهم والحوار وسماحة الخلق، ثم أغلقتم دون آذانكم وعقولكم وقلوبكم الأبواب والنوافذ.

حدثتموهم كثيراً عن الأمانة والصدق والتسامح، ثم شاهدوكم وأنتم تتلصصون وتكذبون وتنتقمون.

نهيتموهم عن الكذب والغش والجُبن، وتركتموهم للحيرة تفترسهم حين تختلف أحاديثكم بغياب أحدهم أو حضوره، وحين تختلف صلاتكم أمام الناس عن صلاتكم منفردين، وحين تتبدل نبرتكم في الحق بتبدّل من تتحدثون عنه أو معه، ثم تجاوزتم الحد المقبول من "العشم" حين ظننتم أن صمتهم إزاء مواعظكم عن الشعور بالمسؤولية كان من قبيل الموافقة، لا يا كِرام، إنه من قبيل التهذيب لا أكثر.

قدّمتم لهم مستقبلاً على صفيح ساخن، أهديتموهم أوطاناً كالخرائب، استنفدتم جُلّ رصيدكم من العمر ولم تفلحوا بجانبٍ واحد من جوانب الحياة، فلا الدنيا سلمت من تخريبكم ولا الدين.

أقحمتم مستقبلهم في مشاكلكم وانقساماتكم المذهبية والعرقية والسياسية والاجتماعية، سلبتموهم الحق في حياة إيجابية مُنتجة وأرغمتموهم على ترك التفكير بمستقبل أفضل والتفرّغ لكنس مخلفات حماقاتكم من مستقبلهم.

المستقبل الذي كان سيكون أفضل لو أنكم بذلتم نصف الوقت الذي صرفتموه في إقناعهم بكم في تطبيق قناعاتكم التي ترددونها على مسامعهم.

كواحدة منكم أخبرتكم بهذا بكل وضوح، لعل الفرصة ما زالت سانحة لنتدارك ما اقترفناه بحق مستقبلهم من جرائم.

أفيقوا من هذا الوهم بالبراءة من الذنب، وكفوا عن امتصاص الحياة من مستقبلهم، اتركوا للشباب فرصة لترميم ما قمنا بتخريبه، اتركوهم يبنون أوطاناً أكثر حرية وقوة، دعوهم يعيدون صياغة المجتمعات على أساس عادل يمنح كل ذي حق حقه، بهذه الطريقة فقط نكون قدمنا لهم الاعتذار عن مساهمتنا في عرقلة فرصتهم بأوطان وحياة تليق بهم وبصدقهم، وليكن اعتذاراً لائقاً، لا تقدموه على مضض كحسنة بخيل، بهذا الشكل ستخلقون معهم فرصة جديدة لاستعادة الاحترام اللائق بكم وبمكانتكم وعقولكم.

أعيدوا الكرة لأقدامهم ولا تستكثروا عليهم الهتاف والتشجيع لأنهم هم من سيجعلكم ترون بعين اليقين كم كانت خطتكم بالية وقديمة، سلموهم الراية وتنحوا بابتسامة راضية، وعلى سبيل التصحيح حاولوا أن تقدموا قدوة جيدة بأن تصطفوا منتظمين، فالمدرجات ما صنعت إلا لكم!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد