أتخاف من شيء أنت ملاقيه كل يوم بل في كل لحظة؟! أتدري يا صديقي أنه لا يمهلك لتأذن بوجوده أم لا، إنها الحقيقة التي نأبى أن نقر بوجودها أو نسلم لها قد يأتي بغتة فيأخذك بلا عودة، ولو تركك فسيأخذ أخاً لك أو عزيزاً عليك، لا يتركك لتهنأ بصحبته، وتأنس بوجوده.
الكل يترقب وصوله، ولكن بلا جدوى، فهو كالعادة بلا موعد، قد ينذرك، وقد يتباطأ النذير فيكون الفارق بين الإنذار واللقاء ثوان معدودة.
فما هو ذلك المجهول الذي أقرب أليك من نفسك، تهابه الملوك وهو سالبهم ملكهم، وترتعد له فرائس المحبين وهو مفرقهم، وحارم الولد من والده، والوالد من ولده، ينتزعك من جموع محبيك، وكأنك بلا حبيب أو صديق؟!
إنه الموت، مقدمة لا تليق بضيف، أو إن صح القول بصاحب يلازمك، ولا تدري ولا تعلم أن معك أينما كنت، وعليك أن تعي أنك معه ذاهب بلا عودة، فلتعلم أنك في سفر طويل وأن حملك ثقيل فهلا رأيت مسافراً بلا زاد؟
فهيا استعد فقد بدأت الرحلة، وقد أوشكت على الانتهاء فشد الوثاق، وانهض بنفسك، لا تنتظر الجموع الساكنة لتحركك ودعاً عن كاهليك هموم دنيا قد تثنيك عن طريق قد بدأته أو حلم قد تشبثت به، فانهض وقاوم دعوات تثبيط لعزيمتك، وحسبك نفسك، ولا تلتفت يمنة ويساراً، فلن تجد ضالتك في أناس قد أعدوا العدة لخوض غمار الرحلة، ولكنك ستجدهم هائمين على وجوههم، لا يعلمون أين يذهبون، وشاردين بفكرهم لا يهتدون أين السبيل.
فاحمل مصباحك وأنر طريقك وسر، ولا تبالِ بالجموع، فإن أعرتهم اهتمامك ردوك، وكن أنت المشعل الذي يضيء الطريق لغيره ممن أراد ركوب السير واللحاق بالركب.
ولا تغتر بطول الرحلة، فالنهاية تأتي بغتة، ويكفيك أنك قد بدأت الطريق.
وكما قال ابن القيم: الطريق إلى الله طويا ونحن نسير فيه كالسلحفاة وليست الغاية أن نصل إلى نهاية الطريق، ولكن الغاية أن يرانا الله، ونحن على الطريق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.