قررت منذ مدة أن أتناول موضوعاً على قدر شيوعه وتداوله بين الناس، على قدر صعوبة تناوله وإعطاء كلمات حوله يمكن أن تجيب عن بعض تساؤلاتنا وانشغالاتنا.
اقتبست من الكاتب إريك فروم عنوانه "فن الحب"، الذي بالمناسبة يستحق القراءة، وهدفي الأول طرح الموضوع للنقاش والتأمل، وهدفي الثاني تجديد الفكر وتسليط الضوء من جديد على المواضيع القديمة، حتى لا تركد مياه فكرنا وتأسن، وحتى لا نكون قد توقفنا في المحطة السابقة.. الرحلة ما زالت مستمرة، والشيء الجميل هو الذي لم نرَه بعد.
أقول: بمجرد ذكر الكلمة "حب" يتبادر إلينا جميعاً تصورات وأفكار وتجارب، وأرى هنا من الضروري لتتضح الرؤية جيداً، أن نستحضر موازاة مع الموضوع مفاهيم أخرى: الحرية – الذكاء – التمرد – تحقيق الذات وغيرها.
سبق أن أشرت إلى الدلالة اللغوية للكلمة في غير هذا المكان، لن أعود لذكرها هنا، سأمر مباشرة إلى التأثير الذي لحق المفهوم عندما دخل مجال السينما، يعتقد الكثير أن السينما أساءت إلى الحب بشكل كبير، وأصبح معلباً ونمطياً، وذهبت به إلى الجزء المتعلق بالإيروس، أي عشق الجسد والجمال الظاهري (المظاهر)، وأن الحب يكون من أول نظرة، وأن المحبوب يعبَد، ويصبح ملكاً لحبيبه، والمشكل الكبير هو أن هذه المفاهيم تسربت إلينا واقتنعنا بها، وأصبحت تشكل مزاجنا، بل وثقافتنا في الحب، التي تنبني تجربتنا بعد ذلك على هذه الثقافة وهذه التصورات، ولم نكلف أنفسنا عناء البحث والتقصي وفتح النقاش وطرح السؤال: ما هو الحب؟
الحب عند المتصوفة:
– ذوبان الحبيب في المحبوب حتى يصيرا واحداً، فيناديه يا أنا.
– مشاهدة الحبيب في المشهد والمغيب.
الحب عند الفلاسفة:
عاطفة يؤدّي تنشيطها إلى نوع من أنواع اللذّة، ماديّة كانت أو معنويّة، قيمة تميز الكائن/ الإنسان عن باقي الموجودات.. وتتحقق بها ذاته مثل باقي القيم الأخرى: الخير – الجمال – الحق.. الحب عند إيريك فروم: إنجاز (علم وفن) و(فعل إرادي واختياري نبذل قصارى جهدنا لإنجاحه).
الحب بعيد كل البعد عن كونه مجرد إحساس أو شعور لحظي.
لطالما طرحت السؤال على الكثيرين: هل يكره مَن يحب؟ وكانت الإجابات متباينة، ولكن الجواب الذي أراحني إلى الآن ما قاله حكيم هندي: الحب بداية لا يستقر في قلب فيه كراهية أو حقد أو حسد.. أفرغ قلبك من كل ذلك، وسيدخل الحب قلبك لوحده.
أتمنى أن أقلق راحتكم، وأن أقض مضاعجكم، وأثير عقولكم.
وفي الأخير، ألخّص ما قلت سابقاً في حكمة شهيرة: لا تحدثني عن الحب.. دعني أجربه بنفسي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.