حق مُغتصَب

لكنني لم ألُمْ يوماً هذه العائلة التي أُجبِرت أن أخاطب كل فرد فيها بـ"سيدي"، فماذا عليَّ أن أنتظر معاملة من غريب في الوقت الذي نفاني فيه إخوتي هنا؟ فهم يتذكرونني فقط عند موعد تسلّم الراتب، لا يسألون لا عن حالي ولا عن صحتي، كل ما يعرفونه هو مبلغ نقود أُنْفِقُ فيه طفولتي وأحلامي كل شهر؛ ليأخذوه في بضع ثوانٍ.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/20 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/20 الساعة 05:15 بتوقيت غرينتش

بعد أن انتهى جهادي اليومي، جلست لأفرغ بعضاً من آلامي، أنا الآن أحمل ورقة وأكتب حروفاً متناثرة مما بقي راسخاً بذهني بعدما توقفت عن الدراسة في سن جد مبكرة!

سمَّاني أبي "وردة"، لكنني ومع الأسف لم آخذ من اسمي غير "الشوك".. دائماً ما أقول في نفسي: من الجيد أن أبي توفي قبل أن يرى وردته ذابلة، انحنت في أَوْج ربيعها، وأنها لم تشارك "الورود" غير الاسم، من الجيد أنه غادر هذا العالم قبل أن يرى "وردته" تشتغل؛ لتُنفِق على إخوتها الذين يفوقون حجمها بأضعاف، وأنها تحمل عبء عائلة في الوقت الذي أكثر ما قد يشغل أقرانها هو واجبات لم تُنجز أو "جيب" و"زرار" مزَّقه طرف طاولة مدرسية!

أنا أعمل كخادمة لإحدى العائلات بالمدينة، أثرياء مادياً، أما عاطفياً فقلوبهم فقيرة منعدمة أحاسيسها؛ فـ"سيدتي" تعاملني كما تُعَامل الآلات الكهربائية، تنتظر مني تنفيذ جميع أوامرها حتى التي تفوق منها طاقتي، تتذمر من كل شيء وتجد ألف سبب لتعاتبني، تخصم من راتبي الذي لا أراه؛ فإخوتي يأخذونه نهاية كل شهر دون إعطائي حصة منه، عندما تنكسر قطعة من الأثاث ولو كان الفاعل أحد أبنائها.. أما "سيدي" فلم يأخذ نظره بعيداً عني منذ أن أتيت، يراقبني بنظرات يشمئز لها داخلي.. و"أسيادي" الصغار لا يضيعون فرصة لاستحقاري وتصغيري، وكأنني من اختار أن أُولد بملعقة حديدية في فمي وذهبية في أفواههم، فمثلاً قد ينادونني لأرى شيئاً في حاسوبهم، ثم يردفون "آه نسينا إنك لا تفهمين اللغات الأجنبية ولا تعلمين شيئاً عن استخدام التكنولوجيات الجديدة".. وغيرها من عبارات أدمت قلبي.

لكنني لم ألُمْ يوماً هذه العائلة التي أُجبِرت أن أخاطب كل فرد فيها بـ"سيدي"، فماذا عليَّ أن أنتظر معاملة من غريب في الوقت الذي نفاني فيه إخوتي هنا؟ فهم يتذكرونني فقط عند موعد تسلّم الراتب، لا يسألون لا عن حالي ولا عن صحتي، كل ما يعرفونه هو مبلغ نقود أُنْفِقُ فيه طفولتي وأحلامي كل شهر؛ ليأخذوه في بضع ثوانٍ.

باختصار أنا حالة لم تُؤخَذ بعين الاعتبار عندما أعلنوا أن العبودية انتهت في عصرنا الحالي، أنا طفلة استُثنِيَت حين طُبِّق قانون يمنع تشغيل القاصرات، أنا وردة أبي الذي ربما تمنى أن أنمو في بيت بلاستيكي، ثم وجدتني في حقل صبار!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد