الكتابة بالنسبة لي فعل وجداني وصناعة أكتشف فيها نفسي وأهدي شيئاً من بعضها للغير، أتقاسم معه الخطاب والفكر والذات والتاريخ والمكان، الكتابة بالنسبة لي تعبير عن إنسانية الإنسان عن المجتمع والعمران، وما يفكر فيه الكثيرون باسمهم واسمي أكتب لأصنع من العدم فرجة ومشاهد وخيالاً خصباً، وأستفز التأويل واللحظة وردة الفعل والنقد، الكتابة روح داخل الروح تستمد الحياة والوجود من الواقع والمخيلة واللغة والصمت أحياناً "عن أشياء كان يجب كتابتها ولم تكتب"، ففعل تجاهلها دليل على وجودها، أليس الأشياء تعرف إلا بضدها.
الكتابة هي موعد الصدق مع النفس وبعدها الصدق مع القارئ والمتلقي، هي بضاعة صادقة لا تبور فيها صور جمالية ورمزية تجدها في أحيان كثيرة أبلغ من صورة عدسة الكاميرا.. الكتابة وطن لا رقابة فيه، لا محاكمة فيه، لا منفى فيه، لا سجن فيه، مدينتي الفاضلة ورقتي البيضاء وقلم وذات ومعهم شيء من الأفكار، الكتابة انتصار على الأنا والخوف وجيش من المسلمات البائدة المتهالكة، الكتابة بالنسبة لي صوت وألم وفرحة وحزن وصرخة وماضٍ ومستقبل واستقلال من القيود وفتح يدوم، الكتابة بالنسبة لي أن تقول ما شئت ومتى شئت وأين شئت بدون رقابة المحرر والممول أو لوبيات شركات الإشهار، أكتب لأنتقم ممن يكتم أصوات الملايين، أكتب لأنتقم من الجلاد والسجان، الكتابة فكرة لا تموت تنتقل بيننا في ثنايانا لها أجنحة، إنه سر قوتها وإن حوربت، إنها فعل يرعب كل طاغية وديكتاتور، وكل من يحمل قيمة الشر، استمروا في الكتابة فهي الملاذ الوحيد والحصن الحصين، بها نحافظ على أنفسنا نتصالح مع ذواتنا نصلب الرقيب ونحارب شرطة الأفكار، ونحافظ على الذاكرة الجماعية التي تزور أمام أعيننا في كل يوم، لا مكان للخطوط الحمراء المزعومة، إنها تطعن في صدق الكاتب وتمنعه من تقديم نص أو تدوينة أو مقالة جريئة ومسؤولة فتسقط مصداقيته وتسقط جودة المكتوب وينهار مشروع الكتابة، ويصبح النص خاضعاً للأهواء والأغراض ومطمعاً لنيل الأعطيات وغيرها، الكتابة يا سادة بطولة على ورق، ولتكن كذلك فيما عداها، تمدنا بجرعات من لقاح الانتصار بدل الهزيمة النفسية، ونحيي بها ماضينا المغيب ومستقبلنا الضبابي المجهول بذلك نصلح بوصلة حضارتنا وننثر عنها غبار التخلف، ونعيد التموقع الصحيح في ركب الأمم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.